ما أن وصل الحديث إلى مرحلة الكلام عن مسار الاحداث والتطورات في العالمين العربي والاسلامي والتداعيات والنتائج المترتبة عن التحولات وتأثيرها غلى المشهد السياسي العام في الشرق الاوسط، حتى سارع دبلوماسي اوروبي مخضرم يعمل في المنطقة منذ ما قبل اندلاع أحداثها وانطلاق الربيع العربي إلى التأكيد على ضرورة الفصل بين ما يحصل في القرن الافريقي والخليج العربي وتاليا الشرق الاوسط، فما يحدث في ليبيا ومصر يختلف بشكله ومضمونه وأهدافه عن كل ما يشهده المحور الاقليمي من نزاعات وحروب وثورات متنقلة.
وبرأي هذا الدبلوماسي، فإنّ ما يريده الغرب من القرن الافريقي هو فرض سيطرة أميركية وأوروبية على النفط الافريقي بمنابعه وممراته الآمنة التي تضمن المصالح الاستراتيجية والحيوية لهذه المجموعة، وذلك في ظل الطلب المتنامي على هذه المادة التي تشكل العصب الاقتصادي والعسكري لهذه الدول التي تندرج في خانة الدول الصناعية، فضلا عن محاصرة ما يطلق عليه الاستراتيجيون لقب التنين الاصفر من الناحية الاقتصادية، وهذا بحد ذاته لا يتضارب مع مصالح روسيا التي تعاني من انفلاش العملاق الاصفر، أي الصين.
أما بالنسبة لمصر، فالأمر يختلف بالكامل لجهة الأهداف التي تنحصر بتأمين استمرارية عملية السلام التي تشكل بدورها واحدة من أدوات الحماية لاسرائيل، وذلك من خلال إشغال الساحة المصرية بمشاكلها بعيدا عن التفكير بتعديل الاتفاقيات المعقودة بين القاهرة وتل ابيب، وإشعال أحداث طائفية واتنية تؤسس إلى تحالفات جديدة اكان على مستوى الداخل المصري ام خارجه، فضلا عن محاولة واشنطن بدفع الورقة الفلسطينية باتجاه تركيا ودول الخليج لابعاد خطر المقاومة من جهة ولتأجيل الحرب الديمغرافية المحسومة سلفا لصالح العرب وجيران اسرائيل، ناهيك عن هدف رئيسي وهو حماية المنظومة المعروفة بالعين الزرقاء المنتشرة في صحراء النقب التي لم تعد على درجة عالية من الامن والاستقرار الذي تتطلبه ادارة المنظومة المذكورة.
غير أنّ ما يحدث في سوريا والخليج العربي الذي عاد ليتحرك بعد هدوء نسبي يستوقف الدبلوماسي الذي يلفت إلى أنه على صلة وثيقة بالكباش الاميركي – الايراني المستعر. ويرى انطلاقاً من ذلك أنّ هذا الكم الهائل من الضغط والتوتر ما هو سوى رد فعل اميركي على خسارة واشنطن للورقة العراقية لمصلحة ايران التي تخطت مرحلة الحصار بنجاح، بل على العكس فانها استفادت منها لتنمية قدراتها الانتاجية والدفاعية وحتى الهجومية، فضلا عن انها حصيلة الموقف العراقي الرافض حتى لاعطاء أي من أنواع الحصانة حتى للاداريين التابعين للجيش الاميركي، ما دفع بواشنطن إلى البحث عن البدائل التي لم تجدها بعد سوى في ابرام صفقة مع ايران تقوم على إعادة توزيع الادوار وفق موازين قوى يستفيد منها الغرب بشكل او بآخر.
يضيف الدبلوماسي أنّ الاتهامات الاميركية لطهران تشبه إلى حد بعيد الاتهامات التي وجهتها الادارة الاميركية إلى نظام صدام حسين، أو تلك التي وجهتها المحكمة الدولية لحزب الله، بما يعني انها كلها اتهامات سياسية تعطي الذرائع الميدانية لممارسة المزيد من الضغوط عبر مجلس الامن او عبر الحلفاء العرب الذين بدأوا يشعرون بمرارة الخيبة نتيجة الانقلاب السياسي الحاصل الذي حصل في العراق وادى إلى انتقال السلطة هناك من الفريق السني الموالي لبعض العرب ولبعض الغرب إلى الفريق الشيعي الموالي لايران. وبالتالي، والكلام للدبلوماسي، ان الضغط باتجاه محور الممانعة سيتوقف فور التوصل إلى تسوية مفترضة مع ايران وهي قد لا تكون ضربا من ضروب المستحيل، بل واقعا تجسده الاشهر القليلة المقبلة.
السبت 15 تشرين الأول 2011، أنطوان الحايك - مقالات النشرة
