تجمّعَ الطّيور من كلّ أرجاء الدنيا واجتمعوا سويّاً, وعزموا على البحث عن طائر الـ"سيمرغ"(كلمة " سيمرغ" في الفارسيّة تعني ثلاثين طائراً, فهي مرّكبة من لفظي "سي" أي ثلاثين, و"مرغ" أي طائر, وكذلك هي كناية عن الطّائر المعشوق الذي يبحث عنه هؤلاء الطيور في القصّة) واللقاء به والوصول إليه.. وقالوا فيما بينهم: إنّ الجميعَ يلهجُ بذكر الـ"سيمرغ", والحال أنّنا لم نره قطّ.. فتعالوا.. تعالوا نعثرُ على الـ"سيمرغ"..فقال نصفهم: ما هذا الهُراء؟! لو كان هناك "سيمرغ" لكانَ قد شوهِدَ على الأقل, والحال أنّه لم يتّفق لأحدٍ أنْ رآه من قبل.. فهو أسطورة خرافيّة, وخيالٌ واهم.. عَمّا تبحثون!! أَقلِعوا عن هذا الهراء.. ودعوا هذه الأفكار الفاسدة.. فنحن غيرُ مستعدّين لسلوك طريقٍ كهذا.. ولسنا من أهل هذا الممشى, ولن نسلك فيه..
ثمّ تابع البقيّة السّير والبحث, محلّقين في السّماء, يتتبّعونَ أثرَ "سيمرغ", حتى مرّوا برابية خضراء, في وسطها عينٌ زلال, تنبع وتفور.. فحنّ إليها عدّة منهم, وما كان منهم إلا أنْ هبطوا من السّماء.. وجلسوا حول فوّارة النّبع, ومن حولهم الأعشاب والعَلَف و... أقاموا فيها يفكهون.. وافترقوا عن الآخرين الذين تابعوا السّير واستمرّوا في البحث, حتّى أدركوا شاطئ مستنقعٍ عميق.. فيه ماء آسن نتن, فهبط جمعٌ منهم كالبطّ مثلاً وحطّوا هناك.. ثمّ تابعَ البقيّة سيرهم.. فحطّت الإوز في مكان آخر.. وصار الكثير منهم يحطّ رحاله في المكان الذي يروق له, ويتلهّى بتلكَ الجيف, ويتوقّفَ عن المسير..
إلا أنّ جمعاً منهم كانوا قد استمرّوا بالسير قدماً, غير عابئين بمن تخلّف.. وكانت الشمس حارّة محرقة, والصيف يشتعل لهيباً.. فقالوا: إنّ سفرنا طويل وبعيد.. ومحفوف بالمخاطر من كلّ جانب.. وقد تغلّب الخوف علينا وملأ قلوبنا.. وإنْ نمضِ في سيرنا هذا فسوف نهلك ونموت.. فما كان منهم إلا أن هبطوا من الأعلى, ولم يبقى في السّماءِ إلا القليل منهم.
فبقيَ منهم ثلاثون طائراً فقط, ممّن شدّوا العزم على مواصلة البحث.. فمضَوا محلّقين في أعالي السماء.. وراحوا يبحثون.. ثم راحوا.. وراحوا.. وراحوا.. حتى بلغوا قمّة جبل "قاف", لِما كانوا قد سمعوا أنّ جبلَ "قاف" هو محلّ إقامة الـ"سيمرغ", فهبطوا على قمّته.. وأخذوا يبحثون.. علّهم يجدون الـ"سيمرغ".. فبحثوا هنا وهناك.. إلى أنْ التفتوا إلى شيءٍ عجيبٍ جداً!! وتنبّهوا إلى أنّ عددهم ثلاثون طائراً.. فها قدْ وَجَدَ الـ"سيمرغ" (أي الثلاثون طائرا)الـ"سيمرغ"(أي الطائر المعشوق) وبدا لهم أنّ حقيقة الـ"سيمرغ" هي عين ذاتهم وغيُر خارجة عنهم.
يعني إذا أردت الوصولَ إلى الله, فعليكَ أنْ تجدَ نفسك, وهنا يكمن خطؤنا, فنحن لم نعتنِ بأنفسنا, وقلّلنا من أهمّيتها, فلم نعرف ذاتنا, ولم نتوجّه إلى معرفة النّفس, لنرى ما هي حقيقة نفسنا. فكم ذهبنا إلى طلب العلوم من الخارج! حتّى صار هذا دكتوراً, وذاك فيزيائياً, وآخر كيميائياً, وفلان مهندساً, وذاك عالماً, وهذا ـ من باب المثال ـ صار مفسراً, أو محدّثاً, أو فقيهاً.. ولكن كلّ ذلك دون العرفان!
فما هي حقيقة علومنا إذاً؟ إنّها علومٌ خارجيّة أجنبيّة عن النّفس, فلم يذهب أحدٌ إلى البحث عن نفسه, ولم يسأل عن حقيقة ذاته, من أنا؟ ما هي حقيقة نفسي؟ هل علمتُ حقيقة ذاتي؟! لا بدّ لي من معرفة نفسي أولاً, وحينما يُصبحُ مستغنياً عن معرفة نفسه, يتوجّه إلى المعارف الخارجيّة, وله ذلك حينئذ, ومبروك عليه. وأمّا الآن فلا حول لي ولا قوة, إنّي عاجزٌ عن معرفة نفسي فـ [منْ عَرِفَ نَفسه فقدْ عَرِفَ رَبَّه هذا الحديث من الأحاديث النفيسة التي وردتنا, وهو يحتوي على أدلّة كثيرة وشواهد عجيبة وغريبة, وهو يبيّن أنّه على الإنسان أنْ يجدَ الله في ذاته, لأنّ سرّ الله في ذات الإنسان, أي إنّ لله معيّة مع ذات الإنسان {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ } فاذهبوا واعثروا على أنفسكم وابحثوا عنها, حتّى تلقوا الله وتجدوه وتصلوا إليه, فالـ"سيمرغ" موجودٌ غير خارج عن حقيقتنا, لذلك فسوف لن يُرى, ولم يُرَ, وغير قابلٍ للرؤيا كذلك, وكما ذُكر فإنّ حقيقة الـ"سيمرغ" هي تلك الـ"سيمرغ", وما عليكم إلا أن تتجاوزوا تلك المراحل.. وتعبروا عن هذه الشهوات.. فاهجروا الغفلة.. واتركوا هذه الينابيع.. والمياه.. والمهانة في الوحل والحياض الآسنة.. والجيَف.. اتركوا جميع ذلك حتّى يُتاح لكم الوصول إلى ذاك الـ"سيمرغ".
وما ذكر إشارة أيضاً إلى ضرورة أنْ يتحلّى الإنسان بالهمّة العالية, مثل أولئك الطيور الثلاثين, حيث قالوا: يجب علينا أن نذهب ونسير, وأن نجتهد ونبحث, فلا نُخدعنّ بتلك الينابيع, ولا بتلك المياه والعيون, فمثلاً كانت مجموعة الحمام ـ والتي تتشابه وتشترك عادة في رغباتها ـ قدْ حطّ قسمٌ منها وتوقّف عن السير, لكنّ الآخرين تابعوا مسيرهم ولم ينخدعوا.. فهم كالإنسان من ناحية الشرف والمقام.. لم ينخدعوا أبداً.. وتابعوا السير قدماً بجدّ وعزم.. جاعلين هدفهم ألا وهو الـ"سيمرغ" نصبَ أعينهم.. قائلين في أنفسهم: إلى متى سنبقى في الجهالة والجهل؟! ومهما كانت الشمس تحرقهم وتُلهبهم.. لم يعبأوا بها.. وساروا.. وساروا.. حتّى بلغوا الهدف.
هذه الحكاية لطيفة جدّاً, وهي تجسِّم للإنسان حقيقة معنى قوله تعالى {نسُوا اللَّهَ فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ} وكلّ ذلك يرجع إلى مسألة [من عرف نفسه فقد عرف ربه] والتي لو عكسناها إلى عكس النّقيض ـ حسب الاصطلاح المنطقيّ ـ سوف تُنتجُ معنى الآية القرآنيّة {نسُوا اللَّهَ}, فأنساهم الله أنفسهم.
ماذا يعني ذلك؟ يعني أنّ من لم ينسَ نفسه, ويبقى متوجّهاً إلى نفسه حتّى صارَ عارفاً بها بصيراً بخفاياها, فسيكون دائمَ الذِّكر لله ولقاء الله ومعرفته.
فمن أيّ شيءٍ تنشأُ معرفة الله؟ تنشأُ من معرفة الإنسان نفسه, وجميع هذه السبل التي ذكرت في الشريعة المطّهرة, هي لأجل إرساء هذه الحقيقة وتحقيقها, والتي ترجع في آخر المطاف إلى تنقية الإنسان وتطهيره, ولأجل ذلك نقول: العمل المقبول هو ما كان لله, ونقصدُ بـ لله, هو أن لا يكون في العمل أيّ غرضٍ أو نقصٍ أو نيّة أخرى, أو رياء أو شيء آخر, وإنما يكون لله فحسب, والإتيان بالعمل على هذا الوجه هو ما يوجب تطهير الإنسان وتنقيته, وبالتالي إدراك الهدف والوصول إلى الـ"سيمرغ", فإنْ تُرِدْ أنْ تصلّي! فابتغ بها تطهير نفسك, أو تُرِدْ الصّيام! فلأجل طهارة النّفس, أنفقْ لأجل تطهير نفسك, يعني, ألم يستطعْ الله أن يغني جميع فقراء الدنيا؟! فلماذا يأمرنا بهذه المشقّات! وتحمّل المتاعب والكدّ والعرق وطلب الكسب.. ثمّ إعطاء خمسه! فكلّ ذلك بغية التطهير, فالعطاء تطهيرٌ للنفس, لأنّ الإنسان مرتبطٌ بالمال ومتعلّقٌ به, والإنفاق لأجل الله ـ لا لغير الله! ـ ولله فحسب, يوجب تزكية النفس وطهارتها, ويقرّب الإنسان من الله..
أليس بمقدور الله أنْ يُلغي بإرادته استحباب القيام ليلاً!! حيث القيام في وسط الليل.. في الشتاء البارد.. يتوضّأ ويصلّي ركعتين لله.. إلا أنّه مع ذلك قد أمر بالقيام, وما ذلك إلا لتتطهّر النفس, وترتفع خباثتها ويزول دنسها, وحينئذٍ ينكشف له دفعة واحدة, واقعيّة كلّ ما كانوا يقولون له, ممّا كان يتصوره خيالاً ووهماً, من القيامة ولقاء الله, وسائر الأمور الروحيّة والمعنويّة.. يكتشف له أنّه كلّ ذلك كان صحيحاً.
ثمّ تابع البقيّة السّير والبحث, محلّقين في السّماء, يتتبّعونَ أثرَ "سيمرغ", حتى مرّوا برابية خضراء, في وسطها عينٌ زلال, تنبع وتفور.. فحنّ إليها عدّة منهم, وما كان منهم إلا أنْ هبطوا من السّماء.. وجلسوا حول فوّارة النّبع, ومن حولهم الأعشاب والعَلَف و... أقاموا فيها يفكهون.. وافترقوا عن الآخرين الذين تابعوا السّير واستمرّوا في البحث, حتّى أدركوا شاطئ مستنقعٍ عميق.. فيه ماء آسن نتن, فهبط جمعٌ منهم كالبطّ مثلاً وحطّوا هناك.. ثمّ تابعَ البقيّة سيرهم.. فحطّت الإوز في مكان آخر.. وصار الكثير منهم يحطّ رحاله في المكان الذي يروق له, ويتلهّى بتلكَ الجيف, ويتوقّفَ عن المسير..
إلا أنّ جمعاً منهم كانوا قد استمرّوا بالسير قدماً, غير عابئين بمن تخلّف.. وكانت الشمس حارّة محرقة, والصيف يشتعل لهيباً.. فقالوا: إنّ سفرنا طويل وبعيد.. ومحفوف بالمخاطر من كلّ جانب.. وقد تغلّب الخوف علينا وملأ قلوبنا.. وإنْ نمضِ في سيرنا هذا فسوف نهلك ونموت.. فما كان منهم إلا أن هبطوا من الأعلى, ولم يبقى في السّماءِ إلا القليل منهم.
فبقيَ منهم ثلاثون طائراً فقط, ممّن شدّوا العزم على مواصلة البحث.. فمضَوا محلّقين في أعالي السماء.. وراحوا يبحثون.. ثم راحوا.. وراحوا.. وراحوا.. حتى بلغوا قمّة جبل "قاف", لِما كانوا قد سمعوا أنّ جبلَ "قاف" هو محلّ إقامة الـ"سيمرغ", فهبطوا على قمّته.. وأخذوا يبحثون.. علّهم يجدون الـ"سيمرغ".. فبحثوا هنا وهناك.. إلى أنْ التفتوا إلى شيءٍ عجيبٍ جداً!! وتنبّهوا إلى أنّ عددهم ثلاثون طائراً.. فها قدْ وَجَدَ الـ"سيمرغ" (أي الثلاثون طائرا)الـ"سيمرغ"(أي الطائر المعشوق) وبدا لهم أنّ حقيقة الـ"سيمرغ" هي عين ذاتهم وغيُر خارجة عنهم.
يعني إذا أردت الوصولَ إلى الله, فعليكَ أنْ تجدَ نفسك, وهنا يكمن خطؤنا, فنحن لم نعتنِ بأنفسنا, وقلّلنا من أهمّيتها, فلم نعرف ذاتنا, ولم نتوجّه إلى معرفة النّفس, لنرى ما هي حقيقة نفسنا. فكم ذهبنا إلى طلب العلوم من الخارج! حتّى صار هذا دكتوراً, وذاك فيزيائياً, وآخر كيميائياً, وفلان مهندساً, وذاك عالماً, وهذا ـ من باب المثال ـ صار مفسراً, أو محدّثاً, أو فقيهاً.. ولكن كلّ ذلك دون العرفان!
فما هي حقيقة علومنا إذاً؟ إنّها علومٌ خارجيّة أجنبيّة عن النّفس, فلم يذهب أحدٌ إلى البحث عن نفسه, ولم يسأل عن حقيقة ذاته, من أنا؟ ما هي حقيقة نفسي؟ هل علمتُ حقيقة ذاتي؟! لا بدّ لي من معرفة نفسي أولاً, وحينما يُصبحُ مستغنياً عن معرفة نفسه, يتوجّه إلى المعارف الخارجيّة, وله ذلك حينئذ, ومبروك عليه. وأمّا الآن فلا حول لي ولا قوة, إنّي عاجزٌ عن معرفة نفسي فـ [منْ عَرِفَ نَفسه فقدْ عَرِفَ رَبَّه هذا الحديث من الأحاديث النفيسة التي وردتنا, وهو يحتوي على أدلّة كثيرة وشواهد عجيبة وغريبة, وهو يبيّن أنّه على الإنسان أنْ يجدَ الله في ذاته, لأنّ سرّ الله في ذات الإنسان, أي إنّ لله معيّة مع ذات الإنسان {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ } فاذهبوا واعثروا على أنفسكم وابحثوا عنها, حتّى تلقوا الله وتجدوه وتصلوا إليه, فالـ"سيمرغ" موجودٌ غير خارج عن حقيقتنا, لذلك فسوف لن يُرى, ولم يُرَ, وغير قابلٍ للرؤيا كذلك, وكما ذُكر فإنّ حقيقة الـ"سيمرغ" هي تلك الـ"سيمرغ", وما عليكم إلا أن تتجاوزوا تلك المراحل.. وتعبروا عن هذه الشهوات.. فاهجروا الغفلة.. واتركوا هذه الينابيع.. والمياه.. والمهانة في الوحل والحياض الآسنة.. والجيَف.. اتركوا جميع ذلك حتّى يُتاح لكم الوصول إلى ذاك الـ"سيمرغ".
وما ذكر إشارة أيضاً إلى ضرورة أنْ يتحلّى الإنسان بالهمّة العالية, مثل أولئك الطيور الثلاثين, حيث قالوا: يجب علينا أن نذهب ونسير, وأن نجتهد ونبحث, فلا نُخدعنّ بتلك الينابيع, ولا بتلك المياه والعيون, فمثلاً كانت مجموعة الحمام ـ والتي تتشابه وتشترك عادة في رغباتها ـ قدْ حطّ قسمٌ منها وتوقّف عن السير, لكنّ الآخرين تابعوا مسيرهم ولم ينخدعوا.. فهم كالإنسان من ناحية الشرف والمقام.. لم ينخدعوا أبداً.. وتابعوا السير قدماً بجدّ وعزم.. جاعلين هدفهم ألا وهو الـ"سيمرغ" نصبَ أعينهم.. قائلين في أنفسهم: إلى متى سنبقى في الجهالة والجهل؟! ومهما كانت الشمس تحرقهم وتُلهبهم.. لم يعبأوا بها.. وساروا.. وساروا.. حتّى بلغوا الهدف.
هذه الحكاية لطيفة جدّاً, وهي تجسِّم للإنسان حقيقة معنى قوله تعالى {نسُوا اللَّهَ فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ} وكلّ ذلك يرجع إلى مسألة [من عرف نفسه فقد عرف ربه] والتي لو عكسناها إلى عكس النّقيض ـ حسب الاصطلاح المنطقيّ ـ سوف تُنتجُ معنى الآية القرآنيّة {نسُوا اللَّهَ}, فأنساهم الله أنفسهم.
ماذا يعني ذلك؟ يعني أنّ من لم ينسَ نفسه, ويبقى متوجّهاً إلى نفسه حتّى صارَ عارفاً بها بصيراً بخفاياها, فسيكون دائمَ الذِّكر لله ولقاء الله ومعرفته.
فمن أيّ شيءٍ تنشأُ معرفة الله؟ تنشأُ من معرفة الإنسان نفسه, وجميع هذه السبل التي ذكرت في الشريعة المطّهرة, هي لأجل إرساء هذه الحقيقة وتحقيقها, والتي ترجع في آخر المطاف إلى تنقية الإنسان وتطهيره, ولأجل ذلك نقول: العمل المقبول هو ما كان لله, ونقصدُ بـ لله, هو أن لا يكون في العمل أيّ غرضٍ أو نقصٍ أو نيّة أخرى, أو رياء أو شيء آخر, وإنما يكون لله فحسب, والإتيان بالعمل على هذا الوجه هو ما يوجب تطهير الإنسان وتنقيته, وبالتالي إدراك الهدف والوصول إلى الـ"سيمرغ", فإنْ تُرِدْ أنْ تصلّي! فابتغ بها تطهير نفسك, أو تُرِدْ الصّيام! فلأجل طهارة النّفس, أنفقْ لأجل تطهير نفسك, يعني, ألم يستطعْ الله أن يغني جميع فقراء الدنيا؟! فلماذا يأمرنا بهذه المشقّات! وتحمّل المتاعب والكدّ والعرق وطلب الكسب.. ثمّ إعطاء خمسه! فكلّ ذلك بغية التطهير, فالعطاء تطهيرٌ للنفس, لأنّ الإنسان مرتبطٌ بالمال ومتعلّقٌ به, والإنفاق لأجل الله ـ لا لغير الله! ـ ولله فحسب, يوجب تزكية النفس وطهارتها, ويقرّب الإنسان من الله..
أليس بمقدور الله أنْ يُلغي بإرادته استحباب القيام ليلاً!! حيث القيام في وسط الليل.. في الشتاء البارد.. يتوضّأ ويصلّي ركعتين لله.. إلا أنّه مع ذلك قد أمر بالقيام, وما ذلك إلا لتتطهّر النفس, وترتفع خباثتها ويزول دنسها, وحينئذٍ ينكشف له دفعة واحدة, واقعيّة كلّ ما كانوا يقولون له, ممّا كان يتصوره خيالاً ووهماً, من القيامة ولقاء الله, وسائر الأمور الروحيّة والمعنويّة.. يكتشف له أنّه كلّ ذلك كان صحيحاً.