كيف تكون شهيداً ((خاصة الأولياء))
كيف نتجهز للشهادة؟
سؤال في غاية الأهمية، لأن الشهادة هي انتقال لعالم آخر، فهل ينتقل الإنسان إليه بدون أن يكون قد جهز نفسه له؟
إذاً لا بد من أمور يحصّلها الإنسان قبل أن ينتقل من هذه الدار الفانية إلى الدار الباقية ومنها:
أ- الاستعداد النفسي بتصفية القلب
أي أن يحافظ الإنسان على نور الإيمان في قلبه بالابتعاد عّما يسوّد القلب من الآثام، وهذا ما ينير درب الآخرة أمامه، فقد ورد في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في قوله تعالى: ﴿أَفَمَن شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِّن رَّبِّه﴾(الزمر:22).
"إن النور إذا وقع في القلب انفسح له وانشرح، قالوا: يا رسول الله! فهل لذلك علامة يعرف بها؟، قال: التجافي عن دار الغرور والإنابة إلى دار الخلود، والاستعداد للموت قبل نزول الموت"1.
ب- عدم الغفلة
والمراد بالغفلة الاستغراق في التفكر بالدنيا والاهتمام لأجلها، فكثيراً ما يصير الإنسان بحالة لا يفكر سوى بما يعني دنياه، فينسى الآخرة ولقاء الله تعالى، وإلى هذا يشير أمير المؤمنين عليه السلام في الشعر المنسوب إليه، والذي يخاطب به الإمام الحسن عليه السلام قائلاً:
أبني إن من الرجال بهيمة في صورة الرجل السميع المبصرِ
فطنٌ لكلِّ رزيَّةٍ في ماله وإذا أصيبَ بدينهِ لم يشعُرِ
وقد ورد في الرواية عن أمير المؤمنين عليه السلام: "استعدوا للموت فقد أظلكم، وكونوا قوماً صيح بهم فانتبهوا، وعلموا أن الدنيا ليست لهم بدار فاستبدلوا... وما بين أحدكم وبين الجنة أو النار إلا الموت أن ينزل به... نسأل الله سبحانه أن يجعلنا وإياكم ممن لا تبطره نعمة، ولا تقصر به عن طاعة ربه غاية، ولا تحلّ به بعد الموت ندامة ولا كآبة"2.
وعنه عليه السلام: "إياك أن ينزل بك الموت وأنت آبق عن ربك في طلب الدنيا"3.
ج- التجهز بالعمل الصالح
فعن الإمام علي عليه السلام: "إنك لن يغني عنك بعد الموت إلا صالح عمل قدمته، فتزود من صالح العمل"4.
فما ينتظر المرء المنتقل لذلك العالم، والذي يرتبط مصيره هناك بعمله في دار الدنيا؟ إن احتمال الخسران يحفّز الإنسان على أن يصحّح أمر دينه في هذا العالم تحسّباً من الوقوع في ذلك الخسران، فعن الإمام علي عليه السلام: "إنّ قادماً يقدم بالفوز أو الشقوة لمستحق لأفضل العدة"5.
د- أداء الحقوق
إن الحقوق على قسمين، حق الله وحق النّاس، فأما حق الله تعالى فهو العبادات التي ينبغي على المرء أن يؤديها ولا يبقي ذمته مشتغلة بشيء منها، وهذا ما على المرء أن يكون قد انتهى منه قبل أن يطرقه الأجل، وأما حق الناس فهو أخطر ما يمكن أن نتصوره في الآخرة، ولنتأمل في هذه الروايات الشريفة التي تبين لنا مدى صعوبة هذا الأمر فعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "الشهادة تكفّر كل شيء إلا الدَّين"6.
وعنه صلى الله عليه وآله وسلم: "أول ما يهراق من دم الشهيد يغفر له ذنبه كله إلا الدَّين"7.
فعلى المجاهد الاهتمام بأداء الحقوق لكي لا يدركه الأجل قبل أن يؤدي ما عليه ولا ينسى هنا الاهتمام بتدوين ما بحوزته من أمانات وديون خوف الضياع، فإن الأمر هنا لا ينحل إلا بعفو صاحب الحق، أو بإبراء ذمته بدفع الحق إليه، عن الإمام الباقر عليه السلام: "كل ذنب يكفره القتل في سبيل الله إلا الدَّين، فإنه لا كفارة له إلا أداؤه، أو يقضي صاحبه، أو يعفو الذي له الحق"8.
إذاً هذه بعض الأمور التي ينبغي للمجاهد أن يلتفت إليها في دار الممر قبيل انتقاله للمقر الأبدي.
مراتب الشهادة
للشهادة مراتب، فليست كل الشهادات بنفس المرتبة، وليس كل الشهداء في نفس الرتبة في الجنة، فأفضل الشهداء كما ورد عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "أفضل الشهداء الذين يقاتلون في الصف الأول، فلا يلفتون وجوههم حتى يقتلوا، أولئك يتلبطون في الغرف العلى من الجنة، يضحك إليهم ربك، فإذا ضحك ربك إلى عبد في موطن فلا حساب عليه"9.
ولنية الإنسان ومدى ارتباطه بالله تعالى وإخلاصه له الدور الأهم في رفعة مقام الشهادة التي وصل إليها.
شهداء لم يُقتلوا
هناك بعض المجاهدين ممن قضى عمره في الجهاد وطلب الشهادة، لكنه لم يوفّق لها، ولم تكن من نصيبه وقد يتوفى في نهاية المطاف وهو على الفراش، فهل مثل هذا المجاهد الصابر الذي بقي في خط الجهاد والشهادة حتى آخر رمق من حياته، هل هو محروم من الشهادة؟
يجيب عن ذلك الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "من سأل الله الشهادة بصدق، بلّغه الله منازل الشهداء وإن مات على فراشه"، وفي رواية أخرى عنه صلى الله عليه وآله وسلم: "من طلب الشهادة صادقاً أعطيها ولو لم تصبه".
إذاً فلتكن مع الشهداء وفي خطهم واحمل بين جنبيك روحيتهم، فستكون شهيداً ولو متّ على فراشك.
وقد تحدثت كثير من الروايات عن حالات يكتب فيها أجر الشهيد لمن مات بأسباب خاصة، وسنستعرض بعض من لهم أجر الشهيد من خلال ما ورد في الروايات:
من قتل دفاعا عن أهله
أي اعتدي على داره وأهله، بل حتى دفاعاً عن جاره، وعن ماله ومصالحه التي ينتفع منها في رزق عياله. فقام يدافع عن ذلك وقتل، فعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "من قتل دون أهله ظلماً فهو شهيد ومن قتل دون ماله ظلماً فهو شهيد، ومن قتل دون جاره ظلماً فهو شهيد، ومن قتل في ذات الله عز وجل فهو شهيد"10.
الموت في معرفة الله
فمن مات على معرفة حقيقية بالله تعالى وحقّه وحقّ رسوله وأهل البيت عليهم السلام، كتب له أجر شهيد في سبيل الله تعالى، عن الإمام علي عليه السلام: "من مات منكم على فراشه وهو على معرفة حقّ ربه وحقّ رسوله وأهل بيته، مات شهيداً، ووقع أجره على الله، واستوجب ثواب ما نوى من صالح عمله، وقامت النية مقام إصلاته لسيفه"11.
الموت على حب آل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم:والحب هنا ليس الادعاء اللفظي، بل هو ارتباط قلبي لا بد وأن يظهر في الأعمال، فهو الحب العملي، الحب الذي يدفع الإنسان للالتزام بما حملوه إلينا من أحكام الدين، ففي الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "من مات على حب آل محمد مات شهيداً"12.
وفي رواية أخرى عن الإمام الصادق عليه السلام: "من مات منكم على هذا الأمر شهيد بمنزلة الضارب بسيفه في سبيل الله"13.
*خاصة الاولياء، إعداد ونشر جمعية المعارف الإسلامية الثقافية، ط1، حزيران 2007م، ص119-126.
كيف نتجهز للشهادة؟
سؤال في غاية الأهمية، لأن الشهادة هي انتقال لعالم آخر، فهل ينتقل الإنسان إليه بدون أن يكون قد جهز نفسه له؟
إذاً لا بد من أمور يحصّلها الإنسان قبل أن ينتقل من هذه الدار الفانية إلى الدار الباقية ومنها:
أ- الاستعداد النفسي بتصفية القلب
أي أن يحافظ الإنسان على نور الإيمان في قلبه بالابتعاد عّما يسوّد القلب من الآثام، وهذا ما ينير درب الآخرة أمامه، فقد ورد في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في قوله تعالى: ﴿أَفَمَن شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِّن رَّبِّه﴾(الزمر:22).
"إن النور إذا وقع في القلب انفسح له وانشرح، قالوا: يا رسول الله! فهل لذلك علامة يعرف بها؟، قال: التجافي عن دار الغرور والإنابة إلى دار الخلود، والاستعداد للموت قبل نزول الموت"1.
ب- عدم الغفلة
والمراد بالغفلة الاستغراق في التفكر بالدنيا والاهتمام لأجلها، فكثيراً ما يصير الإنسان بحالة لا يفكر سوى بما يعني دنياه، فينسى الآخرة ولقاء الله تعالى، وإلى هذا يشير أمير المؤمنين عليه السلام في الشعر المنسوب إليه، والذي يخاطب به الإمام الحسن عليه السلام قائلاً:
أبني إن من الرجال بهيمة في صورة الرجل السميع المبصرِ
فطنٌ لكلِّ رزيَّةٍ في ماله وإذا أصيبَ بدينهِ لم يشعُرِ
وقد ورد في الرواية عن أمير المؤمنين عليه السلام: "استعدوا للموت فقد أظلكم، وكونوا قوماً صيح بهم فانتبهوا، وعلموا أن الدنيا ليست لهم بدار فاستبدلوا... وما بين أحدكم وبين الجنة أو النار إلا الموت أن ينزل به... نسأل الله سبحانه أن يجعلنا وإياكم ممن لا تبطره نعمة، ولا تقصر به عن طاعة ربه غاية، ولا تحلّ به بعد الموت ندامة ولا كآبة"2.
وعنه عليه السلام: "إياك أن ينزل بك الموت وأنت آبق عن ربك في طلب الدنيا"3.
ج- التجهز بالعمل الصالح
فعن الإمام علي عليه السلام: "إنك لن يغني عنك بعد الموت إلا صالح عمل قدمته، فتزود من صالح العمل"4.
فما ينتظر المرء المنتقل لذلك العالم، والذي يرتبط مصيره هناك بعمله في دار الدنيا؟ إن احتمال الخسران يحفّز الإنسان على أن يصحّح أمر دينه في هذا العالم تحسّباً من الوقوع في ذلك الخسران، فعن الإمام علي عليه السلام: "إنّ قادماً يقدم بالفوز أو الشقوة لمستحق لأفضل العدة"5.
د- أداء الحقوق
إن الحقوق على قسمين، حق الله وحق النّاس، فأما حق الله تعالى فهو العبادات التي ينبغي على المرء أن يؤديها ولا يبقي ذمته مشتغلة بشيء منها، وهذا ما على المرء أن يكون قد انتهى منه قبل أن يطرقه الأجل، وأما حق الناس فهو أخطر ما يمكن أن نتصوره في الآخرة، ولنتأمل في هذه الروايات الشريفة التي تبين لنا مدى صعوبة هذا الأمر فعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "الشهادة تكفّر كل شيء إلا الدَّين"6.
وعنه صلى الله عليه وآله وسلم: "أول ما يهراق من دم الشهيد يغفر له ذنبه كله إلا الدَّين"7.
فعلى المجاهد الاهتمام بأداء الحقوق لكي لا يدركه الأجل قبل أن يؤدي ما عليه ولا ينسى هنا الاهتمام بتدوين ما بحوزته من أمانات وديون خوف الضياع، فإن الأمر هنا لا ينحل إلا بعفو صاحب الحق، أو بإبراء ذمته بدفع الحق إليه، عن الإمام الباقر عليه السلام: "كل ذنب يكفره القتل في سبيل الله إلا الدَّين، فإنه لا كفارة له إلا أداؤه، أو يقضي صاحبه، أو يعفو الذي له الحق"8.
إذاً هذه بعض الأمور التي ينبغي للمجاهد أن يلتفت إليها في دار الممر قبيل انتقاله للمقر الأبدي.
مراتب الشهادة
للشهادة مراتب، فليست كل الشهادات بنفس المرتبة، وليس كل الشهداء في نفس الرتبة في الجنة، فأفضل الشهداء كما ورد عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "أفضل الشهداء الذين يقاتلون في الصف الأول، فلا يلفتون وجوههم حتى يقتلوا، أولئك يتلبطون في الغرف العلى من الجنة، يضحك إليهم ربك، فإذا ضحك ربك إلى عبد في موطن فلا حساب عليه"9.
ولنية الإنسان ومدى ارتباطه بالله تعالى وإخلاصه له الدور الأهم في رفعة مقام الشهادة التي وصل إليها.
شهداء لم يُقتلوا
هناك بعض المجاهدين ممن قضى عمره في الجهاد وطلب الشهادة، لكنه لم يوفّق لها، ولم تكن من نصيبه وقد يتوفى في نهاية المطاف وهو على الفراش، فهل مثل هذا المجاهد الصابر الذي بقي في خط الجهاد والشهادة حتى آخر رمق من حياته، هل هو محروم من الشهادة؟
يجيب عن ذلك الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "من سأل الله الشهادة بصدق، بلّغه الله منازل الشهداء وإن مات على فراشه"، وفي رواية أخرى عنه صلى الله عليه وآله وسلم: "من طلب الشهادة صادقاً أعطيها ولو لم تصبه".
إذاً فلتكن مع الشهداء وفي خطهم واحمل بين جنبيك روحيتهم، فستكون شهيداً ولو متّ على فراشك.
وقد تحدثت كثير من الروايات عن حالات يكتب فيها أجر الشهيد لمن مات بأسباب خاصة، وسنستعرض بعض من لهم أجر الشهيد من خلال ما ورد في الروايات:
من قتل دفاعا عن أهله
أي اعتدي على داره وأهله، بل حتى دفاعاً عن جاره، وعن ماله ومصالحه التي ينتفع منها في رزق عياله. فقام يدافع عن ذلك وقتل، فعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "من قتل دون أهله ظلماً فهو شهيد ومن قتل دون ماله ظلماً فهو شهيد، ومن قتل دون جاره ظلماً فهو شهيد، ومن قتل في ذات الله عز وجل فهو شهيد"10.
الموت في معرفة الله
فمن مات على معرفة حقيقية بالله تعالى وحقّه وحقّ رسوله وأهل البيت عليهم السلام، كتب له أجر شهيد في سبيل الله تعالى، عن الإمام علي عليه السلام: "من مات منكم على فراشه وهو على معرفة حقّ ربه وحقّ رسوله وأهل بيته، مات شهيداً، ووقع أجره على الله، واستوجب ثواب ما نوى من صالح عمله، وقامت النية مقام إصلاته لسيفه"11.
الموت على حب آل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم:والحب هنا ليس الادعاء اللفظي، بل هو ارتباط قلبي لا بد وأن يظهر في الأعمال، فهو الحب العملي، الحب الذي يدفع الإنسان للالتزام بما حملوه إلينا من أحكام الدين، ففي الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "من مات على حب آل محمد مات شهيداً"12.
وفي رواية أخرى عن الإمام الصادق عليه السلام: "من مات منكم على هذا الأمر شهيد بمنزلة الضارب بسيفه في سبيل الله"13.
*خاصة الاولياء، إعداد ونشر جمعية المعارف الإسلامية الثقافية، ط1، حزيران 2007م، ص119-126.