شهر رجب المرجب شهر اوحد في اعماله واوراده لا يسبقكم في اعماله غيركم
في مراقبات شهر رجب الحرام
وهذا الشهر بمحلّ عظيم من الشرافة ، ومن أسباب شرافته أنّه من أشهر الحرم ، أنّه من مواسم الدعاء ، وكان معروفاً بذلك في أيّام الجاهلية ، وكانوا ينتظرونه لحوائجهم ، ولذلك حكاية عجيبة نقل بعضها السيد الجليل ـ أعلى الله مقامه ـ في «الإقبال» ، وأنّه شهر أمير المؤمنين عليه السلام كما ورد في بعض الروايات كما أنّ شعبان شهر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وشهر رمضان شهر الله ، وأنّ الليلة الأولى (منه) من الليالي الأربعة التي يتأكّد فيها الإحياء بالعبادات ، وأنّ يوم النصف منه ورد فيه أنّه من أحبّ الأيام إلى الله ، وأنّه ممّا خصّ جلّ جلاله هذه الآية به ، وأنّه موسم عمل الاستفتاح كما يأتي تفصيله ، وأنّ اليوم السابع والعشرين منه يوم مبعث النبي ، الذي هو يوم ظهور الرحمة الرحيميّة ، ظهوراً لم ير مثله من أوّل العالم إلى هذا اليوم ، وهو أشرف الأيام من الجهات الباطنية ، وبالجملة فضائل هذا الشهر لا تحيط بها العقول .
ومن مهمّات المراقبات فيه من أوله إلى آخره تذكّر حديث الملك الداعي على ما روي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنّ الله تعالى نصب في السماء السابعة ملكاً يقال له الداعي ، فإذا دخل شهر رجب ينادي ذلك الملك كلّ ليلة منه إلى الصباح : «طوبى للذاكرين طوبى للطائعين ، يقول الله تعالى : أنا جليس من جالسني ، ومطيع من أطاعني ، غافر من استغفرني ، الشهر شهري والعبد عبدي ، والرحمة رحمتي ، فمن دعاني في هذا الشهر أجبته ، ومن سألني أعطيته ، ومن استهداني هديته ، وجعلت هذا الشهر حبلاً بيني وبين عبادي ، فمن اعتصم به وصل إليَّ» .
أقول : فياحسرتاه على ما فرّطنا في جنب الله ، أين الشاكرون ؟ أين المجتهدون ؟ أين العقلاء من تقدير حقّ هذا النداء ، ما لي لا أرى من يجيبني على ندائي ؟ ولأُنادي أين العارفون الذين يعرفون أنّ شكر هذه النعمة لا يمكن أداؤها من أحد ، أين المعترفون المقرّون بالقصور والتقصير ، ليجيبوا هذا المنادي فيقولوا : لبيك وسعديك ، والصلاة والسلام عليك أيها المنادي من الله الجليل الجميل ، ملك الملوك أرحم الراحمين ، الحليم الكريم ، الرفيق الشفيق ، كريم العفو ، مبدّل السيئات بالحسنات ، هؤلاء العبيد العصاة ، واللئام الطغاة ، رهائن الشهوات ، مأسورون بأيدي الغفلات ، فاعلم أيها الرسول الكريم أنّك تنادي أمواتاً في صور الأحياء ، فإنّ القلوب ميّتة ، والعقول هاجرة ، والأرواح مختلة ، فكيف تنادي الأموات والأموات لا تنتفع من النداء إلا أن تحيي بندائك القلوب ، وتردّ العقول على الرؤوس ، وتنبه الأرواح فيعقلوا موقع هذا النداء من الكرامة العظمى ، عظمة الربّ ، وخسّة النفس ، وشدّة البلوى ، ومساءة الحال . وأن مقامهم وحالهم يقتضي الطرد والإبعاد ، واللعن والعذاب ، ولكن سعة رحمة الرب اقتضت هذه الدعوة اللطيفة الكريمة بهذا اللسان والبيان الألطف الذي يبهر العقول ، ويزيد على كلّ مسؤول ومأمول ، فبشفاعة هذا الشأن الجميل ، واللطف النبيل ، نسأل أيها الملك إلهنا جل جلاله أن يوفّقنا لإجابة هذه الدعوة اللطفى ، الكرامة العظمى .
ونجيبك أيها الواعد للطوبى للذاكرين والطائعين بالترحيب والدعاء ، والتفدية بالنفوس والأرواح ، حيث نبّهتنا بذكر مالكنا اللطيف الكريم ، ورغّبتنا إلى طاعة مولانا وسيدنا الرؤوف الرحيم ، وبلّغتنا كرامة إلهنا الرفيق الشفيق .
فيجيبك أيها المنادي المبلّغ ، لسان حال هذه النفوس اللئيمة ، ذوي الأوصاف الذميمة . قد أنعمت وأكرمت ، ودعوت إلى السعادة العظمى ، والمحلّة الكبرى فما أبعد محلّنا الخسيس ، ومقامنا الأرذل ، وحالنا الخبيث ، ومكاننا الأخسّ ، من ذكر ربّنا ، وأن نكون محلاً لتقديس إلهنا ، وما للتراب وربّ الأرباب ؟ وأين المتلطّخ بالأقذار ومجالس الأطهار ؟ وأين المكبّل الأسير من منازل الأحرار ؟ ولكن كرم ربّنا قد اقتضى الإذن لنا في ذكره ، وحكمته اقتضت التشريف بالتكليف ، وما أفضحنا إن قصّرنا بعد هذه الموهبة الجليلة في الذكر ، وما أخزانا بعد هذا التشريف إن أهملنا في الطاعة ، فما أكرم السيد وما ألأم العبيد ، وما أحلم الإله ، وما أسفه العباد .
ثمّ إنّا قد سمعنا بأسماع قلوبنا ما بلّغته من قول ربّنا وإلهنا : «أنا جليس من جالسني» وقد أبكم عظمة هذا الإبلاغ والتشريف كل لسان في عالم الإمكان والتكليف عن الجواب ، وحارت العقول ـ من جمال هذه الكرامة ـ من ذوي الألباب ، ولو كان لكلّ نفس من المشرّفين بهذا الخطاب أنفس تمام العالمين ، وأرواح جميع ذوي الأرواح وبذلوها في الجواب ، وفدوا بها لتعظيم هذا الخطاب ، لما أدّوا بذلك شيئاً من حقوقه ، وشكر جزء من أجزاء نعمه ، وكيف للبطّال اللئيم ، والخسيس الذميم ، يغفل عن إجابته ويهمل عن مراتب عنايته ، بل يختار بدل ذكر الجبّار ، ذكر من يستوجب ذكره النار ، ويرضى من مرافقة الملائكة المقرّبين ، والأنبياء والمرسلين ، في مجلس حضور ربّ العالمين ، بمقارنة الجنّة والشياطين ، في مهوى دركات السجين .
فيالله والخطب البديع ، والشأن الفظيع ، أن يندب الخالق المخلوق في إجابته ، ويرغب السيد في مناجاة العبد ومؤانسته ، ويستنكف العبد من قبول عنايته ، فنقول بإظهار الأسف والحسرات ، والاعتراف بسوء الحال والغفلات ، وقد ألجأتنا الضرورة بالجواب : نعم يا إلهنا وسيدنا ، ويا مالكنا ومولانا ، إن أعطيتنا التوفيق ، وأدركتنا عنايتك بما أكرمتنا به من الدعوة ، وشرفتنا به من الكرامة ـ كما هو المرجوّ من كرمك ، والمتوقّع من كمال جودك ، لأنّ من تمام نعماء الكريم ، استتمام نعمائه ، ومن شواهد آلاء الجواد استكمال آلائه ـ فطوبى لنا ، ثم طوبى لنا ،فقد فزنا وسعدنا ، ونلنا فوق آمالنا . وإن لم يدركنا توفيقك ، ولم يجد بنا(1) عنايتك فلنا الويل ، ثمّ الويل الطويل ، والعناء والعويل ، فنحن الأشقياء المحرومون واللئام المعذّبون ، بالعذاب الأليم ، والنكال الرجيم ، فنقول : لا إله إلا أنت سبحانك إنّا كنّا من الظالمين ، إلهنا «ظَلَمنا أنفُسَنا وإن لَم تغفر لنا وترحمنا لنكونَنّ من الخاسرين» (الأعراف : 23) بل نزيد في الخسارة من باب الضرورة .
ونكشف عن ذلّ المقام والخسيسة ، ونؤكّدها بالأقسام العظيمة ، ونناديك من مهوى عالم الطبيعة والسجّين ، وسفلى دركات المنافقين ، ونقول : وعزّتك وجلالك يا إلهنا لنعصينّك ونهلك أنفسنا ، ونطغينّ ونفسد حالنا ، إن لم تعصمنا بتوفيقك ، وإن لم تجُد علينا بفضل عنايتك فإنّه لا حول ولا قوّة إلا بك .
ومن مراقبات هذا الشهر أن يعرف السالك معنى الشهر الحرام وحقّه حتى يراقبه في حركاته وسكناته ، بل وخطرات قلبه ، وأن يعلم أنّ هذه الأشهر الثلاثة مواسم العبادة ، فينبغي لطلاب العلم أن يزيدوا فيها جهة العبادات على جهة تحصيل العلم ، وإن كان تحصيل العلم أيضاً من أفضل العبادات .
وأوّل ليلة منه من الليالي الأربعة التي يتأكّد استحباب إحيائها ، والدعاء عند الاستهلال بما روي ، وينبغي الالتفات بما في الدعاء المأثور في ذلك من ذكر شهر شعبان وشهر رمضان بالدعاء للتأهّل للعبادة فيهما فيكثر في أوقات دعائه ذكرهما حتى يكمل الاستعداد للدخول فيهما بدعائه ويستحبّ أن يدعو بعد صلاة العشاء بالدعاء المرويّ في «الإقبال» .
وأورد في «الإقبال» صلوات لهذه الليلة أنا أذكر منها أخفّها لأمثالي من الضعفاء وهي ما رواه في «الإقبال» عن روضة العابدين قال : روي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم : من صلّى المغرب أوّل ليلة من رجب ، ثمّ صلى بعدها عشرين ركعة يقرأ في كلّ ركعة فاتحة الكتاب و«قل هو الله أحد» مرة، ويسلّم بين كل ركعتين ـ قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ـ : أتدرون ما ثوابه ؟
قالوا : الله ورسوله أعلم ، قال : إنّ روح الأمين علّمني ذلك ـ وحسر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن ذراعيه ـ وقال : حفظ في نفسه وأهله وماله وولده ، وأُجير من عذاب القبر ، جاز عن الصراط كالقبر الخاطف من غير حساب .
وأخفّ منها أيضاً ما رواه أيضاً في هذا الكتاب عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول :
من صلّى ركعتين في أوّل ليلة من رجب بعد العشاء
يقرأ في أوّل ركعة فاتحة الكتاب «وألم نشرح» مرة و«قل هو الله أحد» ثلاث مرّات
وفي الركعة الثانية فاتحة الكتاب مرّة ، و«قل يا أيها الكافرون» ثلاث مرّات و«قل هو
الله أحد» مرة, وإذ سلّم منهما رفع يديد وقال :
«لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد ، يحيي ويُميت ، وهو حيٌ لا يموت ، بيده الخير وهو على كلِّ شيءٍ قدير ، وإليه المصير ، ولا حول ولا قوّة إلا بالله العليّ العظيم ، اللهم صلِّ على محمّدٍ وآل محمدٍ النبيّ الأُمّيّ» .
يمسح بهما وجهه ، فإنّ الله سبحانه يستجيب الدعاء ويعطي ثواب ستّين حجّة ، وستّين عمرة .
ثم يشتغل بقيّة ليلة بما يراه مناسباً لحاله من الذكر والفكر والمناجاة إلى وقت صلاة الليل
في مراقبات شهر رجب الحرام
وهذا الشهر بمحلّ عظيم من الشرافة ، ومن أسباب شرافته أنّه من أشهر الحرم ، أنّه من مواسم الدعاء ، وكان معروفاً بذلك في أيّام الجاهلية ، وكانوا ينتظرونه لحوائجهم ، ولذلك حكاية عجيبة نقل بعضها السيد الجليل ـ أعلى الله مقامه ـ في «الإقبال» ، وأنّه شهر أمير المؤمنين عليه السلام كما ورد في بعض الروايات كما أنّ شعبان شهر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وشهر رمضان شهر الله ، وأنّ الليلة الأولى (منه) من الليالي الأربعة التي يتأكّد فيها الإحياء بالعبادات ، وأنّ يوم النصف منه ورد فيه أنّه من أحبّ الأيام إلى الله ، وأنّه ممّا خصّ جلّ جلاله هذه الآية به ، وأنّه موسم عمل الاستفتاح كما يأتي تفصيله ، وأنّ اليوم السابع والعشرين منه يوم مبعث النبي ، الذي هو يوم ظهور الرحمة الرحيميّة ، ظهوراً لم ير مثله من أوّل العالم إلى هذا اليوم ، وهو أشرف الأيام من الجهات الباطنية ، وبالجملة فضائل هذا الشهر لا تحيط بها العقول .
ومن مهمّات المراقبات فيه من أوله إلى آخره تذكّر حديث الملك الداعي على ما روي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنّ الله تعالى نصب في السماء السابعة ملكاً يقال له الداعي ، فإذا دخل شهر رجب ينادي ذلك الملك كلّ ليلة منه إلى الصباح : «طوبى للذاكرين طوبى للطائعين ، يقول الله تعالى : أنا جليس من جالسني ، ومطيع من أطاعني ، غافر من استغفرني ، الشهر شهري والعبد عبدي ، والرحمة رحمتي ، فمن دعاني في هذا الشهر أجبته ، ومن سألني أعطيته ، ومن استهداني هديته ، وجعلت هذا الشهر حبلاً بيني وبين عبادي ، فمن اعتصم به وصل إليَّ» .
أقول : فياحسرتاه على ما فرّطنا في جنب الله ، أين الشاكرون ؟ أين المجتهدون ؟ أين العقلاء من تقدير حقّ هذا النداء ، ما لي لا أرى من يجيبني على ندائي ؟ ولأُنادي أين العارفون الذين يعرفون أنّ شكر هذه النعمة لا يمكن أداؤها من أحد ، أين المعترفون المقرّون بالقصور والتقصير ، ليجيبوا هذا المنادي فيقولوا : لبيك وسعديك ، والصلاة والسلام عليك أيها المنادي من الله الجليل الجميل ، ملك الملوك أرحم الراحمين ، الحليم الكريم ، الرفيق الشفيق ، كريم العفو ، مبدّل السيئات بالحسنات ، هؤلاء العبيد العصاة ، واللئام الطغاة ، رهائن الشهوات ، مأسورون بأيدي الغفلات ، فاعلم أيها الرسول الكريم أنّك تنادي أمواتاً في صور الأحياء ، فإنّ القلوب ميّتة ، والعقول هاجرة ، والأرواح مختلة ، فكيف تنادي الأموات والأموات لا تنتفع من النداء إلا أن تحيي بندائك القلوب ، وتردّ العقول على الرؤوس ، وتنبه الأرواح فيعقلوا موقع هذا النداء من الكرامة العظمى ، عظمة الربّ ، وخسّة النفس ، وشدّة البلوى ، ومساءة الحال . وأن مقامهم وحالهم يقتضي الطرد والإبعاد ، واللعن والعذاب ، ولكن سعة رحمة الرب اقتضت هذه الدعوة اللطيفة الكريمة بهذا اللسان والبيان الألطف الذي يبهر العقول ، ويزيد على كلّ مسؤول ومأمول ، فبشفاعة هذا الشأن الجميل ، واللطف النبيل ، نسأل أيها الملك إلهنا جل جلاله أن يوفّقنا لإجابة هذه الدعوة اللطفى ، الكرامة العظمى .
ونجيبك أيها الواعد للطوبى للذاكرين والطائعين بالترحيب والدعاء ، والتفدية بالنفوس والأرواح ، حيث نبّهتنا بذكر مالكنا اللطيف الكريم ، ورغّبتنا إلى طاعة مولانا وسيدنا الرؤوف الرحيم ، وبلّغتنا كرامة إلهنا الرفيق الشفيق .
فيجيبك أيها المنادي المبلّغ ، لسان حال هذه النفوس اللئيمة ، ذوي الأوصاف الذميمة . قد أنعمت وأكرمت ، ودعوت إلى السعادة العظمى ، والمحلّة الكبرى فما أبعد محلّنا الخسيس ، ومقامنا الأرذل ، وحالنا الخبيث ، ومكاننا الأخسّ ، من ذكر ربّنا ، وأن نكون محلاً لتقديس إلهنا ، وما للتراب وربّ الأرباب ؟ وأين المتلطّخ بالأقذار ومجالس الأطهار ؟ وأين المكبّل الأسير من منازل الأحرار ؟ ولكن كرم ربّنا قد اقتضى الإذن لنا في ذكره ، وحكمته اقتضت التشريف بالتكليف ، وما أفضحنا إن قصّرنا بعد هذه الموهبة الجليلة في الذكر ، وما أخزانا بعد هذا التشريف إن أهملنا في الطاعة ، فما أكرم السيد وما ألأم العبيد ، وما أحلم الإله ، وما أسفه العباد .
ثمّ إنّا قد سمعنا بأسماع قلوبنا ما بلّغته من قول ربّنا وإلهنا : «أنا جليس من جالسني» وقد أبكم عظمة هذا الإبلاغ والتشريف كل لسان في عالم الإمكان والتكليف عن الجواب ، وحارت العقول ـ من جمال هذه الكرامة ـ من ذوي الألباب ، ولو كان لكلّ نفس من المشرّفين بهذا الخطاب أنفس تمام العالمين ، وأرواح جميع ذوي الأرواح وبذلوها في الجواب ، وفدوا بها لتعظيم هذا الخطاب ، لما أدّوا بذلك شيئاً من حقوقه ، وشكر جزء من أجزاء نعمه ، وكيف للبطّال اللئيم ، والخسيس الذميم ، يغفل عن إجابته ويهمل عن مراتب عنايته ، بل يختار بدل ذكر الجبّار ، ذكر من يستوجب ذكره النار ، ويرضى من مرافقة الملائكة المقرّبين ، والأنبياء والمرسلين ، في مجلس حضور ربّ العالمين ، بمقارنة الجنّة والشياطين ، في مهوى دركات السجين .
فيالله والخطب البديع ، والشأن الفظيع ، أن يندب الخالق المخلوق في إجابته ، ويرغب السيد في مناجاة العبد ومؤانسته ، ويستنكف العبد من قبول عنايته ، فنقول بإظهار الأسف والحسرات ، والاعتراف بسوء الحال والغفلات ، وقد ألجأتنا الضرورة بالجواب : نعم يا إلهنا وسيدنا ، ويا مالكنا ومولانا ، إن أعطيتنا التوفيق ، وأدركتنا عنايتك بما أكرمتنا به من الدعوة ، وشرفتنا به من الكرامة ـ كما هو المرجوّ من كرمك ، والمتوقّع من كمال جودك ، لأنّ من تمام نعماء الكريم ، استتمام نعمائه ، ومن شواهد آلاء الجواد استكمال آلائه ـ فطوبى لنا ، ثم طوبى لنا ،فقد فزنا وسعدنا ، ونلنا فوق آمالنا . وإن لم يدركنا توفيقك ، ولم يجد بنا(1) عنايتك فلنا الويل ، ثمّ الويل الطويل ، والعناء والعويل ، فنحن الأشقياء المحرومون واللئام المعذّبون ، بالعذاب الأليم ، والنكال الرجيم ، فنقول : لا إله إلا أنت سبحانك إنّا كنّا من الظالمين ، إلهنا «ظَلَمنا أنفُسَنا وإن لَم تغفر لنا وترحمنا لنكونَنّ من الخاسرين» (الأعراف : 23) بل نزيد في الخسارة من باب الضرورة .
ونكشف عن ذلّ المقام والخسيسة ، ونؤكّدها بالأقسام العظيمة ، ونناديك من مهوى عالم الطبيعة والسجّين ، وسفلى دركات المنافقين ، ونقول : وعزّتك وجلالك يا إلهنا لنعصينّك ونهلك أنفسنا ، ونطغينّ ونفسد حالنا ، إن لم تعصمنا بتوفيقك ، وإن لم تجُد علينا بفضل عنايتك فإنّه لا حول ولا قوّة إلا بك .
ومن مراقبات هذا الشهر أن يعرف السالك معنى الشهر الحرام وحقّه حتى يراقبه في حركاته وسكناته ، بل وخطرات قلبه ، وأن يعلم أنّ هذه الأشهر الثلاثة مواسم العبادة ، فينبغي لطلاب العلم أن يزيدوا فيها جهة العبادات على جهة تحصيل العلم ، وإن كان تحصيل العلم أيضاً من أفضل العبادات .
وأوّل ليلة منه من الليالي الأربعة التي يتأكّد استحباب إحيائها ، والدعاء عند الاستهلال بما روي ، وينبغي الالتفات بما في الدعاء المأثور في ذلك من ذكر شهر شعبان وشهر رمضان بالدعاء للتأهّل للعبادة فيهما فيكثر في أوقات دعائه ذكرهما حتى يكمل الاستعداد للدخول فيهما بدعائه ويستحبّ أن يدعو بعد صلاة العشاء بالدعاء المرويّ في «الإقبال» .
وأورد في «الإقبال» صلوات لهذه الليلة أنا أذكر منها أخفّها لأمثالي من الضعفاء وهي ما رواه في «الإقبال» عن روضة العابدين قال : روي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم : من صلّى المغرب أوّل ليلة من رجب ، ثمّ صلى بعدها عشرين ركعة يقرأ في كلّ ركعة فاتحة الكتاب و«قل هو الله أحد» مرة، ويسلّم بين كل ركعتين ـ قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ـ : أتدرون ما ثوابه ؟
قالوا : الله ورسوله أعلم ، قال : إنّ روح الأمين علّمني ذلك ـ وحسر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن ذراعيه ـ وقال : حفظ في نفسه وأهله وماله وولده ، وأُجير من عذاب القبر ، جاز عن الصراط كالقبر الخاطف من غير حساب .
وأخفّ منها أيضاً ما رواه أيضاً في هذا الكتاب عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول :
من صلّى ركعتين في أوّل ليلة من رجب بعد العشاء
يقرأ في أوّل ركعة فاتحة الكتاب «وألم نشرح» مرة و«قل هو الله أحد» ثلاث مرّات
وفي الركعة الثانية فاتحة الكتاب مرّة ، و«قل يا أيها الكافرون» ثلاث مرّات و«قل هو
الله أحد» مرة, وإذ سلّم منهما رفع يديد وقال :
«لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد ، يحيي ويُميت ، وهو حيٌ لا يموت ، بيده الخير وهو على كلِّ شيءٍ قدير ، وإليه المصير ، ولا حول ولا قوّة إلا بالله العليّ العظيم ، اللهم صلِّ على محمّدٍ وآل محمدٍ النبيّ الأُمّيّ» .
يمسح بهما وجهه ، فإنّ الله سبحانه يستجيب الدعاء ويعطي ثواب ستّين حجّة ، وستّين عمرة .
ثم يشتغل بقيّة ليلة بما يراه مناسباً لحاله من الذكر والفكر والمناجاة إلى وقت صلاة الليل