أب يحكي لابنته قصة ولادتها...
بعد يوم شاق من العمل .. طبعت آثاره على وجهي .. دخلت المنزل لأفرغ غضبي واستيائي في صفع الباب صفعة قوية .. مما جعل والدتك تأتي مسرعة لتعرف مصدر الصوت ..
وما أن رأتني حتى أطلقت ابتسامتها .. كم يدهشني سحــر تلك الابتسامة !! .. ففي لحظة واحدة مسحت كل تلك الملامح لترسم ابتسامة الرضا على شفتي ..
اتجهت للغرفة لأبدل ملابسي .. وذهبت هي للمطبخ ..
وبعد أن جلسنا على الطاولة .. أحسست بعينيها وكأنها تريد أن تقول شيئاً .. عرفت بعد ذلك بأنها حامل .. لم أصدقها .. طلبت منها أن تعيد ما قالته .. أردت أن أحملها وأطير بها .. الدنيا كلها لم تسع فرحتي .. سأصبح أبا أخيراً .
طلبت منها أن لا تخرج من البيت .. وتقلل من حركتها .. ومع مرور الأيام بدأت بطنها تكبر وتكبر .. كانت تقول لي بأنها تحس بك تتحركين في أحشائها .. وتشتكي أحياناً من ركلاتك .. تتحدث إليك كما لو كنت تسمعين وتفهمين ..
كانت عندما تستيقظ في الصباح تتحسس بطنها .. وتسألك كيف كان منامك ..
وفي المساء كانت تجلس بجانبي وتضع رأسها على صدري .. وتتنهد قائلة : كم أشعر بالراحة وأنا إلى جانبك ..
يا إلهي كم أشتاق لرأسها الصغير على صدري .. كم أشتاق لوالدتك .. كنت أتحسس بطنها بيدي وأتحدث معك .. كنا نخطط مستقبلك معاً ..
لا زلت أذكر ذلك اليوم الذي أخبرتها فيه الطبيبة بأن الجنين أنثى .. كانت فرحتها لا توصف .. أصبحت تحلم بأول يوم لك في المدرسة .. وأنها ستمشط شعرك .. وتضع لك تلك الشرائط الملونة .. وتلبسك المريول المدرسي .. وتجهز فطورك .. وبدأ خيالها يتسع أفقه .. فأصبحت تحلم بيوم عرسك .. أذكر يومها بأني ضحكتُ حتى غضبت مني .. !!
وكل يوم على هذا الحال .. وفي الشهور الأخيرة من الحمل .. ازداد حجم بطنها .. أصبحت حركتها ثقيلة .. وتبدلت الأحلام بكوابيس الخوف من الولادة .. كنت أخبرها بأني سأبقى إلى جانبها .. وأذكرها بأحلامنا لتسكن الطمأنينة في قلبها وتنزع الخوف ..
كان شيئاً بداخلها يقول لها بأنها لن تخرج منها .. ذاك الإحساس اللعين الذي أرق منامها .. عجزت عن تخليصها منه ..
وفي ذلك اليوم .. وبالتحديد عند غــروب الشمس .. بدأت آلام المخاض تغير لون وجهها .. ارتبكت حين رأيتها في ذلك المنظر .. حملتها بين ذراعي .. وذهبت بها إلى المستشفى .. وضعتها بيدي على السرير .. والممرضات يدفعنها لغرفة الولادة .. كنت أرى الخوف في عينيها .. قلت لها : لا تخافي ستكونين بخير .. سأكون إلى جانبك ..
كان في تلك الغرفة جيش من الممرضين والأطباء .. كنت أمسح دموعها .. وأمسح قطرات العرق من على جبينها .. كانت تصرخ تارة وتبكي تارة أخرى .. لم أستطع تحمل رؤيتها تتألم .. أردت أن أخرج من الغرفة .. ولكنها كانت تمسك بيدي بقوة ..
لجأت إلى الله بالدعاء بصوت عال .. وأقرأ آيات من القرآن .. وبعد ساعات أطلقت أول صرخة .. تلك الصرخة التي أعادت لي ولوالدتك الحياة من جديد .. أحسست وأنتِ تخرجين لهذه الدنيا وكأن الشمس قد أشرقت في الليل ..
أصبحت أردد الحمد لله .. الحمد لله .. بأعلى صوتي .. وما أن وضعوك على صدر والدتك مسحت بيديها المرتجفتين على رأسك الصغير .. كانت دموع الفرح تغسل دموع القلق والخرف ..
صرخت إحدى الممرضات .. " نزيف .. نزيف .. بدأت تنزف " .. فقدت بعدها الوعي .. كانت صرختها تلك كالصاعقة التي نزلت على قلبي .. وحطمت فرحتي .. أعلنت حالة الطوارئ في الغرفة .. وتجمع الأطباء لوقف النزيف .. طلبوا مني أن أخرج .. ولكني أصررت على البقاء بجانبها .. ولن أخرج إلا معها ..
وبعد دقائق .. أحسست ببرودة أناملها .. شخصت عيناها .. انسحب اللون من وجهها .. غابت تقلصات الألم ليحل محلها استرخاء لا مبال ..
وبحركة سريعة .. التقت إليَّ الطبيب .. نكس رأسه .. وكل الممرضات تهربن من نظراتي ..
يـا بنيـتـي .. كيف لي أن أصف لك كيف يفقد الإنسان شخصاً مثل والدتك .. كيف لي أن أصف تلك المشاعر التي خالجتني حين دخلت المنزل وأنا أحملك لأجد كل قطعة من الأثاث تسألني عن والدتك .. وكأني أحس بالجدران تكاد تنطق لتسألني عنها .. كيف لي أن أعود من غيرها !! ..
يا صـغيـرتـي .. لكم تمزق قلبي وأنا أراك تتعلمين الكلام ليكون اسم والدتك أول ما ينطق به لسانك .. كم من رحلة عمل ألغيتها من أجلك .. وكم من اجتماع تأجل حتى أبقى إلى جانبك ..
لقد رحلت والدتك .. وتركتنا وحيدين .. تركتك لي طفلة رضيعة لم يتم عمرك ساعات ..
يـا إلـهــي .. ما أسرع عجلة الزمن .. ها هو اليوم هو أول يوم لك بالمدرسة .. وما أصعبه من يوم حين طلبوا من كل طالبة أن تحضر ومعها والدتها لحفل التعارف بين الأمهات ..
أراك تكبرين وذكراها تكبر معك .. لم أستطع حتى مجرد التفكير بغيرها .. كنت أحس بروحها تحوم حول المنزل .. وحول غرفتك .. أراها في عينيك عندما تنظرين إلي .. وفي شفتيك حين تتحدثين .. وفي كل ركن من أركان المنزل ..
ولكن الحمد لله .. لقد اجتزنا هذا الابتلاء ولا نسأل الله سوى الصبر .. وأن يمنحنا من القوة مما يساعدنا على إكمال مشوارنا ..
والدتـك يا صـغيـرتي .. رحلت .. لتبقى في ذاكرتنا أنا وأنتِ..
نسألكم الدعاء
بعد يوم شاق من العمل .. طبعت آثاره على وجهي .. دخلت المنزل لأفرغ غضبي واستيائي في صفع الباب صفعة قوية .. مما جعل والدتك تأتي مسرعة لتعرف مصدر الصوت ..
وما أن رأتني حتى أطلقت ابتسامتها .. كم يدهشني سحــر تلك الابتسامة !! .. ففي لحظة واحدة مسحت كل تلك الملامح لترسم ابتسامة الرضا على شفتي ..
اتجهت للغرفة لأبدل ملابسي .. وذهبت هي للمطبخ ..
وبعد أن جلسنا على الطاولة .. أحسست بعينيها وكأنها تريد أن تقول شيئاً .. عرفت بعد ذلك بأنها حامل .. لم أصدقها .. طلبت منها أن تعيد ما قالته .. أردت أن أحملها وأطير بها .. الدنيا كلها لم تسع فرحتي .. سأصبح أبا أخيراً .
طلبت منها أن لا تخرج من البيت .. وتقلل من حركتها .. ومع مرور الأيام بدأت بطنها تكبر وتكبر .. كانت تقول لي بأنها تحس بك تتحركين في أحشائها .. وتشتكي أحياناً من ركلاتك .. تتحدث إليك كما لو كنت تسمعين وتفهمين ..
كانت عندما تستيقظ في الصباح تتحسس بطنها .. وتسألك كيف كان منامك ..
وفي المساء كانت تجلس بجانبي وتضع رأسها على صدري .. وتتنهد قائلة : كم أشعر بالراحة وأنا إلى جانبك ..
يا إلهي كم أشتاق لرأسها الصغير على صدري .. كم أشتاق لوالدتك .. كنت أتحسس بطنها بيدي وأتحدث معك .. كنا نخطط مستقبلك معاً ..
لا زلت أذكر ذلك اليوم الذي أخبرتها فيه الطبيبة بأن الجنين أنثى .. كانت فرحتها لا توصف .. أصبحت تحلم بأول يوم لك في المدرسة .. وأنها ستمشط شعرك .. وتضع لك تلك الشرائط الملونة .. وتلبسك المريول المدرسي .. وتجهز فطورك .. وبدأ خيالها يتسع أفقه .. فأصبحت تحلم بيوم عرسك .. أذكر يومها بأني ضحكتُ حتى غضبت مني .. !!
وكل يوم على هذا الحال .. وفي الشهور الأخيرة من الحمل .. ازداد حجم بطنها .. أصبحت حركتها ثقيلة .. وتبدلت الأحلام بكوابيس الخوف من الولادة .. كنت أخبرها بأني سأبقى إلى جانبها .. وأذكرها بأحلامنا لتسكن الطمأنينة في قلبها وتنزع الخوف ..
كان شيئاً بداخلها يقول لها بأنها لن تخرج منها .. ذاك الإحساس اللعين الذي أرق منامها .. عجزت عن تخليصها منه ..
وفي ذلك اليوم .. وبالتحديد عند غــروب الشمس .. بدأت آلام المخاض تغير لون وجهها .. ارتبكت حين رأيتها في ذلك المنظر .. حملتها بين ذراعي .. وذهبت بها إلى المستشفى .. وضعتها بيدي على السرير .. والممرضات يدفعنها لغرفة الولادة .. كنت أرى الخوف في عينيها .. قلت لها : لا تخافي ستكونين بخير .. سأكون إلى جانبك ..
كان في تلك الغرفة جيش من الممرضين والأطباء .. كنت أمسح دموعها .. وأمسح قطرات العرق من على جبينها .. كانت تصرخ تارة وتبكي تارة أخرى .. لم أستطع تحمل رؤيتها تتألم .. أردت أن أخرج من الغرفة .. ولكنها كانت تمسك بيدي بقوة ..
لجأت إلى الله بالدعاء بصوت عال .. وأقرأ آيات من القرآن .. وبعد ساعات أطلقت أول صرخة .. تلك الصرخة التي أعادت لي ولوالدتك الحياة من جديد .. أحسست وأنتِ تخرجين لهذه الدنيا وكأن الشمس قد أشرقت في الليل ..
أصبحت أردد الحمد لله .. الحمد لله .. بأعلى صوتي .. وما أن وضعوك على صدر والدتك مسحت بيديها المرتجفتين على رأسك الصغير .. كانت دموع الفرح تغسل دموع القلق والخرف ..
صرخت إحدى الممرضات .. " نزيف .. نزيف .. بدأت تنزف " .. فقدت بعدها الوعي .. كانت صرختها تلك كالصاعقة التي نزلت على قلبي .. وحطمت فرحتي .. أعلنت حالة الطوارئ في الغرفة .. وتجمع الأطباء لوقف النزيف .. طلبوا مني أن أخرج .. ولكني أصررت على البقاء بجانبها .. ولن أخرج إلا معها ..
وبعد دقائق .. أحسست ببرودة أناملها .. شخصت عيناها .. انسحب اللون من وجهها .. غابت تقلصات الألم ليحل محلها استرخاء لا مبال ..
وبحركة سريعة .. التقت إليَّ الطبيب .. نكس رأسه .. وكل الممرضات تهربن من نظراتي ..
يـا بنيـتـي .. كيف لي أن أصف لك كيف يفقد الإنسان شخصاً مثل والدتك .. كيف لي أن أصف تلك المشاعر التي خالجتني حين دخلت المنزل وأنا أحملك لأجد كل قطعة من الأثاث تسألني عن والدتك .. وكأني أحس بالجدران تكاد تنطق لتسألني عنها .. كيف لي أن أعود من غيرها !! ..
يا صـغيـرتـي .. لكم تمزق قلبي وأنا أراك تتعلمين الكلام ليكون اسم والدتك أول ما ينطق به لسانك .. كم من رحلة عمل ألغيتها من أجلك .. وكم من اجتماع تأجل حتى أبقى إلى جانبك ..
لقد رحلت والدتك .. وتركتنا وحيدين .. تركتك لي طفلة رضيعة لم يتم عمرك ساعات ..
يـا إلـهــي .. ما أسرع عجلة الزمن .. ها هو اليوم هو أول يوم لك بالمدرسة .. وما أصعبه من يوم حين طلبوا من كل طالبة أن تحضر ومعها والدتها لحفل التعارف بين الأمهات ..
أراك تكبرين وذكراها تكبر معك .. لم أستطع حتى مجرد التفكير بغيرها .. كنت أحس بروحها تحوم حول المنزل .. وحول غرفتك .. أراها في عينيك عندما تنظرين إلي .. وفي شفتيك حين تتحدثين .. وفي كل ركن من أركان المنزل ..
ولكن الحمد لله .. لقد اجتزنا هذا الابتلاء ولا نسأل الله سوى الصبر .. وأن يمنحنا من القوة مما يساعدنا على إكمال مشوارنا ..
والدتـك يا صـغيـرتي .. رحلت .. لتبقى في ذاكرتنا أنا وأنتِ..
نسألكم الدعاء