هو العليم
التعبير ب" عليّ الزمان" و" حسين الزمان" ونسبتها إلى الآخرين هو تعبير خاطئ وبناء عليه فما نسمعه في بعض الأحيان من إطلاق اسم علي بعنوان عام على بعض الأشخاص، أو إطلاق لقب" علي الزمان" و" حسين الزمان" وأمثال ذلك ... كله خطأ واشتباه، فعلي إنسان وحيد فريد وليس هناك من يشبهه ولن يأتي أحد مثله، وكذلك الحسين فهو فرد وحيد لا يوجد له نظير، وإذا كان هناك من يشبه علياً والحسين ونظير لهما فهو ابنهما المعصوم وحجّة الله على عالم الوجود الإمام الحجّة ابن الحسن العسكري أرواحنا لتراب مقدمه الفداء فقط لا غير. لأنه عليه السلام يشترك مع آبائه في هذه النقطة المتميّزة والشاخصة التوحيديّة، بل إنه معهم في هذه الخصوصيّة.
كما أننا نسمع من بعض الخطباء في خطبهم، أو من بعض الكتّاب في كتبهم عبارات بهذا المضمون؛ حيث يقولون مثلًا: على الإنسان أن يتعرّف على يزيدي زمانه ويشخّص حسيني (جمع حسين) زمانه، فهذا كلّه غلط في غلط، نعم من الممكن أن يكون في زمان ما العديد من الأشخاص الذين يمثلون يزيداً، لكن هذا لا يبرّر أن يكون للحسين أيضاً وجود متعدّد، فحسين الزمان واحد فقط وهو الإمام المعصوم في ذاك الزمان، لا أي شخص آخر.
وكذلك ما يقال من أن عاشوراء حادثة متعدّدة بتعدّد الحوادث المشابهة لعاشوراء الإمام الحسين الأصليّة، فهو غلط أيضاً؛ فعاشوراء كانت واحدة فقط ولن تتكرّر، لأن قضيّة عاشوراء لم تكن مسألة ذاك اليوم الذي جرى فيه القتل والمواجهة بين الحق والظلم فقط، بل أهم الأمور في قضيّة عاشوراء وأكثرها حساسيّة هي مسألة إدارة سيد الشهداء عليه السلام للمعركة،فالإدارة التي كانت بيد إمام معصوم عليه السلام، لا بواسطة إنسان عادي. وسيد الشهداء عليه السلام كان إماماً قبل أن تحصل واقعة عاشوراء، وكان إماماً معصوماً، وهذا الإمام بعينه كان يداري حكومة معاوية بن أبي سفيان لعنة الله عليه مدّة عشر سنوات، ولم يخالف حكومة معاوية احتراماً منه لعقد الصلح الذي جرى بين أخيه الإمام الحسن عليه السلام ومعاوية، والذي كان يقضي بإنفاذ حكومة معاوية.
وكذلك ما يقوله البعض من أن الخصوصيّة الروحيّة والنفسيّة التي كان يتمتّع بها سيد الشهداء تقتضي محاربة حكومة الظلم والجور، وأما روح الإمام الحسن عليه السلام
ونفسيّته وطبيعته تقتضي الصلح وخلق جوٍّ من المسالمة مع حكّام الجور .. فهو كلام عار عن الصحّة والحقيقة ويفتقد إلى أدنى مرتبة من التحقيق.
لو كان سيد الشهداء عليه السلام مكان أخيه الأكبر الإمام المجتبى مع وجود تلك الظروف ومقتضيات ذلك العصر، لكان صالح معاوية قطعاً، ولو كان الإمام المجتبى عليه السلام مكان أخيه سيد الشهداء لقام في وجه يزيد حتماً؛ وذلك لأن كلًا منهما كان إماماً، وكلاهما كان معصوماً، وكل منهما منزل للمشيئة الإلهيّة ومجرى لها، إلا أن الفرق أن هذا كان في زمانه بشكل، والآخر كان بشكل آخر.
ثورة عاشوراء هي قضية فريدة ولا تقبل التكرار
وعليه، فقضية عاشوراء كانت متقوّمة بالقائم بها والمدير لها؛ وهو الإمام المعصوم عليه السلام، لا بأيّ شخص عادي مهما كان هذا الشخص، والنكتة الدقيقة هي أن الحوادث التي وقعت في يوم عاشوراء والأحداث التي جرت في ذاك اليوم والأيام التي تلته، كانت- جميعها الواحد تلوالأخرى- قد جرت بقيادة وهداية إمام معصوم. ولو كانت إدارة ذلك اليوم بعهدة شخص آخر غير سيد الشهداء عليه السلام- ولو كان ذاك الشخص هو أبو الفضل العباس عليه السلام أو حضرة علي الأكبر عليه السلام- فلن تكون عاشوراء عاشوراء، بل كانت المسألة قد أخذت شكلًا آخر.
إن التأمّل والتدقيق في لطائف وإشارات واقعة ذلك اليوم، يجعل هذه المسألة واضحة وجليّة جداً عند أرباب البصيرة والفهم، وهي أن إدارة وقائع يوم عاشوراء يجب أن تكون بيد فرد حقيقته وذاته هي عين التجلّي الأعظم لحضرة الحق تعالى، بحيث يكون وجوده قد خرج عن جميع شوائب عالم الكثرة وآثاره، ولم يعد يتمشّى منه سوى إرادة الحق تعالى ومشيئته، وهذا الفرد يجب أن يكون هو الإمام المعصوم، فلذا نرى أن الأئمّة عليهم السلام يذكرون هذه الواقعة بصفتها قضيّةً فريدةً ومتفرّدةً.
ففي الخبر الوارد عن أمير المؤمنين عليه السلام عندما مرّ بطريقه في أرض كربلاء أنه قال:
هنا مُناخ ركابٍ ومصارع عشّاقٍ؛ شهداء لا يسبقهم مَن كان قبلهم ولا يلحقهم
مَن بعدَهم