السيدة خديجة (عليها السلام) والدة الصديقة فاطمة الزهراء(عليها السلام)
النسب الشريف
هي السيّدة خديجة بنت خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي بن كلاب بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر.
وعلى هذا فإن السيدة خديجة تلتقي بنسبها مع النبي العظيم محمد(صلى الله عليه وآله وسلم)عند الجد الأكبر (قصي).
من مقامات السيدة خديجة (عليها السلام)
من الاُمور المتَفق عليها عند الجميع أنَ السيدة خديجة(عليها السلام) كانت خير نساء النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)وذلك بتصريح من رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)أكثر من مرَة، وهذا إنما يدل على علو مقامها وجلالة قدرها (سلام الله عليها).
فعن عائشة قالت: كان رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)إذا ذكر خديجة لم يسأم من ثناء عليها واستغفار لها، فذكرها ذات يوم فحملتني الغيرة، فقلت: لقد عوَّضك الله من كبيرة السن!.
قالت: فرأيت رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)غضب غضباً شديداً، فسقطت في يدي فقلت: اللهمَ إنَك إن أذهبت بغضب رسولك(صلى الله عليه وآله وسلم)لم أعد بذكرها بسوء ما بقيت.
قالت: فلمَا رأى رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)ما لقيت قال: كيف قلت؟ والله لقد آمنت بي إذ كفر الناس، وآوتني إذ رفضني الناس، وصدَّقتني إذ كذَّبني الناس، ورزقت منّي الولد حيث حرمتموه.
قالت: فغدا وراح عليّ بها شهرا.
وفضلاً عن ذلك كله، فهناك العديد مما يدل على علو مقام السيدة خديجة(عليها السلام) نشير إلى بعضها:
1: اصطفاء الباري تعالى لها، حيث جعلها من النساء المختارات.
عن أبي الحسن الأول(عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «إنّ الله اختار من النساء أربعاً: مريم وآسية وخديجة وفاطمة».
2: إنها (عليها السلام) أوّل من أسلمت من النساء وآمنت برسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)منهن، وأوّل من صلّت خلفه(صلى الله عليه وآله وسلم.
عن عفيف قال: كنت امرأ تاجراً فقدمت منى أيام الحج وكان العباس بن عبد المطلب امرأ تاجرا فأتيته أبتاع منه وأبيعه، قال: فبينا نحن إذا خرج رجل من خبأ يصلي فقام تجاه الكعبة، ثم خرجت امرأة فقامت تصلي وخرج غلام يصلي معه، فقلت: يا عباس ما هذا الدين، إن هذا الدين ما ندري ما هو؟
فقال: هذا محمد بن عبد الله يزعم أن الله أرسله وأن كنوز كسرى وقيصر يستفتح عليه، وهذه امرأته خديجة بنت خويلد آمنت به، وهذا الغلام ابن عمه علي بن أبي طالب آمن به.
وروى السيد بن طاوس عن كتاب الوصية لعيسى بن المستفاد عن الإمام موسى بن جعفر(عليه السلام) قال: سألت عن بدء الإسلام كيف أسلم علي(عليه السلام) وكيف أسلمت خديجة؟
فقال: «تأبى إلا أن تطلب أصول العلم ومبتدأه، أما والله إنك لتسأل تفقها».
ثم قال: «سألت أبي (عليه السلام) عن ذلك فقال لي: لما دعاهما رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)قال: يا علي ويا خديجة أسلمتما لله وسلمتما له، وقال: إن جبرئيل عندي يدعوكما إلى بيعة الإسلام فأسلما تسلما وأطيعا تهديا».
فقالا: «فعلنا وأطعنا يا رسول الله».
فقال: «إن جبرئيل عندي يقول لكما: إن للإسلام شروطا وعهودا ومواثيق فابتدئاه بما شرط الله عليكما لنفسه ولرسوله أن تقولا: نشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك لـه في ملكه، لم يتخذ ولدا ولم يتخذ صاحبة، إلهاً واحداً مخلصاً، وأن محمداً عبده ورسوله، أرسله إلى الناس كافة بين يدي الساعة، ونشهد أن الله يحيي ويميت ويرفع ويضع ويغني ويفقر ويفعل ما يشاء ويَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ».
قالا: «شهدنا» الحديث.
3: تخصيص الباري لها بالسلام، فقد بلغ من قداسة السيدة خديجة (عليها السلام) عند الله تعالى أنّه عزّوجلّ كان يخصّها بالسلام.
ففي الحديث أنّ جبرئيل أتى النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)فسأل عن خديجة فلم يجدها، فقال: إذا جاءت فأخبرها أنّ ربّها يقرؤها السلام.
وروي أنه أتى جبرئيل النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)فقال: هذه خديجة قد أتتك معها إناء مغطّى فيه إدام أو طعام أو شراب، فإذا هي أتتك فاقرأ عليها السلام من ربّها ومنّي وبشّرها ببيت في الجنّة من قصب لا صخب فيه ولا نصب.
4: بشارة الله وجبرائيل لها ببيت عظيم في الجنة، كما مر في الحديث الشريف السابق.
5: كثرة ثناء النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)على السيدة خديجة (عليها السلام) كما مر في الحديث عن عائشة.
وبالإضافة إلى ذلك فقد كانت السيدة خديجة (عليها السلام) عزيزة عند النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)وتتمتع بمكانة خاصة في قلبه، حيث كان(صلى الله عليه وآله وسلم)يحبّها حبّاً جمّاً، ويعتزّ بها، ويقدر مواقفها المشرفة، والشواهد على ذلك كثيرة، منها:
إنّ عجوزاً دخلت على رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)فألطفها، فلمّا خرجت سألته عائشة، فقال: «إنّها كانت تأتينا في زمن خديجة وإنّ حسن العهد من الإيمان».
وعن أمير المؤمنين علي (عليه السلام) قال: «ذكر النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)خديجة يوماً وهو عند نسائه، فبكى، فقالت عائشة: ما يبكيك على عجوز حمراء من عجائز بني أسد؟
فقال: صدّقتني إذ كذبتم، وآمنت بي إذ كفرتم، وولدت لي إذ عقمتم.
قالت عائشة: فما زلت أتقرّب إلى رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)بذكرها».
وعن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: «لمّا توفّيت خديجة (عليها السلام) جعلت فاطمة (عليها السلام) تلوذ برسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)وتدور حوله وتقول: يا أبت أين اُمّي؟
قال: فنزل جبرئيل (عليه السلام) فقال له: ربّك يأمرك أن تقرأ فاطمة السلام وتقول لها: إنّ اُمّك في بيت من قصب، كعابه من ذهب، وعمده ياقوت أحمر، بين آسية ومريم بنت عمران.
فقالت فاطمة (عليها السلام): إنّ الله هو السلام ومنه السلام وإليه السلام.
وعن عبد الرحمن بن ميمون عن أبيه قال: سمعت ابن عباس يقول: (أول من آمن برسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)من الرجال علي (عليه السلام) ومن النساء خديجة(عليها السلام).
بل إنّ الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم)ـ وكما في التاريخ ـ أطلق على العام الذي توفّيت فيه السيّدة خديجة وأبو طالب (عليهما السلام) «عام الحزن»(12)، وهذا خير دليل على معزّته (صلى الله عليه وآله وسلم)لهما.
النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)يذكّر بفضائلها
وليس ذلك فحسب، وإنَما بقي النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)وبعد أن توفّيت السيدة خديجة(عليها السلام) يتذكّرها ويترحّم عليها ويشيد بفضائلها الكثيرة ويدافع عنها.
فعن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: دخل رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)منزله فإذا عائشة مقبلة على فاطمة (عليها السلام) تصايحها وهي تقول: والله يا بنت خديجة ما ترين إلاّ أنّ لاُمّك علينا فضلاً، وأي فضل كان لها علينا؟ ما هي إلاّ كبعضنا.
فسمع مقالتها فاطمة(عليها السلام)، فلمّا رأت فاطمة رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) بكت.
فقال لها: ما يبكيك يا بنت محمّد؟
قالت: ذكرت اُمّي فتنقّصتها، فبكيت.
فغضب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): ثم قال: مه ياحميراء، فإنّ الله تبارك وتعالى بارك في الولود الودود، وإنّ خديجة رحمها الله ولدت منّي طاهراً وهو عبد الله وهو المطهّر، وولدت منّي القاسم وفاطمة ورقية واُمّ كلثوم وزينب، وأنت ممّن أعقم الله رحمه فلم تلدي شيئاً(13).
النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)يصبّرها
عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «دخل رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)على خديجة حين مات القاسم أبنها وهي تبكي، فقال لها: ما يبكيك؟
فقالت: درّت دريرة فبكيت.
فقال: يا خديجة أما ترضين إذا كان يوم القيامة أن تجيء إلى باب الجنّة وهو قائم فيأخذ بيدك فيدخلك الجنّة وينزلك أفضلها، وذلك لكل مؤمن، إنّ الله عزّوجلّ أحكم وأكرم أن يسلب المؤمن ثمرة فؤاده ثم يعذّبه بعدها أبداً»(14).
وعن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «لمّا توفّي طاهر ابن رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)نهى رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)خديجة عن البكاء.
فقالت: بلى يا رسول الله ولكن درّت عليه الدريرة فبكيت.
فقال لها: أما ترضين أن تجديه قائماً على باب الجنّة فإذا رآك أخذ بيدك فأدخلك أطهرها مكاناً وأطيبها؟
قالت: وإنّ ذلك كذلك؟
قال: فإنّ الله أعزّ وأكرم من أن يسلب عبداً ثمرة فؤاده فيصبر ويحتسب ويحمد الله عزّوجلّ ثم يعذّبه»(15).
حاجة جبرائيل
عن أبي سعيد الخدري: (إنّ رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)قال: إنّ جبرئيل(عليه السلام) قال لي ليلة اُسري بي حين رجعت وقلت: يا جبرئيل هل لك من حاجة؟
قال: حاجتي أن تقرأ على خديجة من الله ومنّي السلام.
وحدّثنا عند ذلك أنّها قالت حين لقيها نبي الله(صلى الله عليه وآله وسلم)فقال لها الذي قال جبرئيل، قالت: إنّ الله هو السلام ومنه السلام وإليه السلام وعلى جبرئيل السلام.
خير النساء
عن الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «خير نسائها خديجة وخير نسائها مريم».
وعن ابن عباس قال: خط رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)أربع خطط ثم قال: «خير نساء الجنّة مريم بنت عمران، وخديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمد، وآسية بنت مزاحم امرأة فرعون».
معرفة خديجة بمقام الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)
يذكر أنّ الأحبار كانوا يتردّدون على السيدة خديجة (عليها السلام) وذلك لمكانتها الاجتماعية والاقتصادية، وكانت (عليها السلام) تكرمهم وتفيض عليهم من خيراتها الطائلة.
وفي أحد الأيام وبينما كان أحد الأحبار في بيتها وهي جالسة مع جماعة من نسائها وجواريها إذا بالنبي(صلى الله عليه وآله وسلم)يمرّ، فنظر إليه ذلك الحبر وقال: يا خديجة قد مرّ الآن بدارك شاب حدث السن، فأمري من يأتي به.
فأرسلت إليه جارية من جواريها وقالت: يا سيدي مولاتي تطلبك.
فأقبل(صلى الله عليه وآله وسلم)ودخل منزل خديجة.
فقالت: أيّها الحبر هذا الذي أشرت إليه؟
قال: نعم هذا محمّد بن عبد الله.
وقال: طوبى لمن تكون لـه بعلاً وتكون لـه زوجة وأهلاً، فقد حازت شرف الدنيا والآخرة.
فتعجّبت السيّدة خديجة، وانصرف الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم)وقد اشتغل قلبها بحبّه، وكانت السيّدة خديجة ملكة عظيمة ولها من الأموال والثروة الطائلة ما لا يحصى، فقالت: أيّها الحبر بم عرفت أنه نبي؟
قال: وجدت صفاته في التوراة أنه المبعوث آخر الزمان يموت أبوه واُمّه ويكفله جدّه وعمّه وأنّه سيتزوّج بامرأة من قريش سيدة قومها وأشار بيده إليها، ثم قال لها: احفظي ما أقول لك يا خديجة.
فلمّا سمعت السيّدة خديجة ما نطق به الحبر تعلّق قلبها بالنبي(صلى الله عليه وآله وسلم)أكثر وكتمت أمرها.
فلمّا أراد الخروج من عندها قال: اجتهدي أن لا يفوتك محمد(صلى الله عليه وآله وسلم)فهو الشرف في الدنيا والآخرة.
طلب الزواج من النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)
هناك الكثير من المؤيّدات التي تدل على أنّ السيدة خديجة (عليها السلام) لم تكن على دين أهل مكة من الشرك، بل كانت مؤمنة على دين إبراهيم الخليل (عليه السلام) ، منها: حرصها الشديد على أن تكون هي صاحبة الشرف العظيم في أن تكون زوجة للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم).
وهذا إنما يدلّ على عمق معرفتها وتقديسها للرسول(صلى الله عليه وآله وسلم)الذي يحمل في جبينه نور الرسالة الخاتمة.
نعم، فلمّا عرفت السيدة خديجة مقام الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم)واطمأنت بأنه نبي آخر الزمان بذلت كل ما لديها كي تنال شرف الزواج منه.
ففي التاريخ أنّها (عليها السلام) عرضت نفسها عليه(صلى الله عليه وآله وسلم)وقالت له: قم إلى عمومتك وقل لهم يخطبوني لك من أبي، ولا تخش من كثرة المهر فهو عندي.
فخرج النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)من عندها ودخل على عمّه أبي طالب (عليه السلام) والسرور في وجهه، فوجد أعمامه مجتمعين
فنظر إليه أبو طالب (عليه السلام) وقال: يا بن أخي يهنؤك ما أعطتك خديجة وأظنّها قد غمرتك من عطاياها؟
فقال (صلى الله عليه وآله وسلم): يا عم لي إليك حاجة.
قال: وما هي؟
قال: تنهض أنت وأعمامي هذه الساعة إلى خويلد وتخطبون لي منه خديجة.
فاختلف أعمام النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)بين مؤيّد ومخالف.
فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): يا معشر الأعمام قد أطلتم الكلام فيما لا فائدة فيه، قوموا واخطبوا لي خديجة من أبيها فما عندكم من العلم مثل ما عندي منها.
وفاة السيّدة خديجة (عليها السلام)
توفّيت أم المؤمنين السيّدة خديجة (عليها السلام) بمكة في السنة الثالثة قبل الهجرة.
وقد حزن عليها رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)كثيراً.
وكان الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم)بشرها بمكانها في الجنة، فإنه لمّا حضرتها الوفاة دخل عليها النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)فقال لها: تكرهين ما أرى منك وقد جعل الله من الكره خيراً.
وعند دفنها نزل رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)في حفرتها وأدخلها القبر بيده الشريفة في الحجون.
فكانت وفاتها مصيبة عظيمة على قلب رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)وقد تبعتها مصائب وكوارث تحمّلها النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)برباطة جأش وصبر على المكاره ورضاء من الحق عزّوجلّ.
وقد كانت وفاة السيّدة خديجة (عليها السلام) وأبي طالب (عليه السلام) في عام واحد قبل الهجرة بثلاث سنين، أي في السنة العاشرة من البعثة بعد خروج بني هاشم من الشعب.
وكان رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)يقول: «ما اغتممت بغمّ أيام حياة أبي طالب وخديجة».
لما كان أبو طالب (عليه السلام) يدفعه عنه وخديجة (عليها السلام) تعزّيه وتصبّره وتهوّن عليه ما يلقاه في ذات الله عزّوجلّ
ولذا عند ما توفي عمه أبوطالب وزوجته خديجة سمى ذلك العام بعام الحزن.
فرضوان الله تعالى عليها.
النسب الشريف
هي السيّدة خديجة بنت خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي بن كلاب بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر.
وعلى هذا فإن السيدة خديجة تلتقي بنسبها مع النبي العظيم محمد(صلى الله عليه وآله وسلم)عند الجد الأكبر (قصي).
من مقامات السيدة خديجة (عليها السلام)
من الاُمور المتَفق عليها عند الجميع أنَ السيدة خديجة(عليها السلام) كانت خير نساء النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)وذلك بتصريح من رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)أكثر من مرَة، وهذا إنما يدل على علو مقامها وجلالة قدرها (سلام الله عليها).
فعن عائشة قالت: كان رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)إذا ذكر خديجة لم يسأم من ثناء عليها واستغفار لها، فذكرها ذات يوم فحملتني الغيرة، فقلت: لقد عوَّضك الله من كبيرة السن!.
قالت: فرأيت رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)غضب غضباً شديداً، فسقطت في يدي فقلت: اللهمَ إنَك إن أذهبت بغضب رسولك(صلى الله عليه وآله وسلم)لم أعد بذكرها بسوء ما بقيت.
قالت: فلمَا رأى رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)ما لقيت قال: كيف قلت؟ والله لقد آمنت بي إذ كفر الناس، وآوتني إذ رفضني الناس، وصدَّقتني إذ كذَّبني الناس، ورزقت منّي الولد حيث حرمتموه.
قالت: فغدا وراح عليّ بها شهرا.
وفضلاً عن ذلك كله، فهناك العديد مما يدل على علو مقام السيدة خديجة(عليها السلام) نشير إلى بعضها:
1: اصطفاء الباري تعالى لها، حيث جعلها من النساء المختارات.
عن أبي الحسن الأول(عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «إنّ الله اختار من النساء أربعاً: مريم وآسية وخديجة وفاطمة».
2: إنها (عليها السلام) أوّل من أسلمت من النساء وآمنت برسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)منهن، وأوّل من صلّت خلفه(صلى الله عليه وآله وسلم.
عن عفيف قال: كنت امرأ تاجراً فقدمت منى أيام الحج وكان العباس بن عبد المطلب امرأ تاجرا فأتيته أبتاع منه وأبيعه، قال: فبينا نحن إذا خرج رجل من خبأ يصلي فقام تجاه الكعبة، ثم خرجت امرأة فقامت تصلي وخرج غلام يصلي معه، فقلت: يا عباس ما هذا الدين، إن هذا الدين ما ندري ما هو؟
فقال: هذا محمد بن عبد الله يزعم أن الله أرسله وأن كنوز كسرى وقيصر يستفتح عليه، وهذه امرأته خديجة بنت خويلد آمنت به، وهذا الغلام ابن عمه علي بن أبي طالب آمن به.
وروى السيد بن طاوس عن كتاب الوصية لعيسى بن المستفاد عن الإمام موسى بن جعفر(عليه السلام) قال: سألت عن بدء الإسلام كيف أسلم علي(عليه السلام) وكيف أسلمت خديجة؟
فقال: «تأبى إلا أن تطلب أصول العلم ومبتدأه، أما والله إنك لتسأل تفقها».
ثم قال: «سألت أبي (عليه السلام) عن ذلك فقال لي: لما دعاهما رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)قال: يا علي ويا خديجة أسلمتما لله وسلمتما له، وقال: إن جبرئيل عندي يدعوكما إلى بيعة الإسلام فأسلما تسلما وأطيعا تهديا».
فقالا: «فعلنا وأطعنا يا رسول الله».
فقال: «إن جبرئيل عندي يقول لكما: إن للإسلام شروطا وعهودا ومواثيق فابتدئاه بما شرط الله عليكما لنفسه ولرسوله أن تقولا: نشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك لـه في ملكه، لم يتخذ ولدا ولم يتخذ صاحبة، إلهاً واحداً مخلصاً، وأن محمداً عبده ورسوله، أرسله إلى الناس كافة بين يدي الساعة، ونشهد أن الله يحيي ويميت ويرفع ويضع ويغني ويفقر ويفعل ما يشاء ويَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ».
قالا: «شهدنا» الحديث.
3: تخصيص الباري لها بالسلام، فقد بلغ من قداسة السيدة خديجة (عليها السلام) عند الله تعالى أنّه عزّوجلّ كان يخصّها بالسلام.
ففي الحديث أنّ جبرئيل أتى النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)فسأل عن خديجة فلم يجدها، فقال: إذا جاءت فأخبرها أنّ ربّها يقرؤها السلام.
وروي أنه أتى جبرئيل النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)فقال: هذه خديجة قد أتتك معها إناء مغطّى فيه إدام أو طعام أو شراب، فإذا هي أتتك فاقرأ عليها السلام من ربّها ومنّي وبشّرها ببيت في الجنّة من قصب لا صخب فيه ولا نصب.
4: بشارة الله وجبرائيل لها ببيت عظيم في الجنة، كما مر في الحديث الشريف السابق.
5: كثرة ثناء النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)على السيدة خديجة (عليها السلام) كما مر في الحديث عن عائشة.
وبالإضافة إلى ذلك فقد كانت السيدة خديجة (عليها السلام) عزيزة عند النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)وتتمتع بمكانة خاصة في قلبه، حيث كان(صلى الله عليه وآله وسلم)يحبّها حبّاً جمّاً، ويعتزّ بها، ويقدر مواقفها المشرفة، والشواهد على ذلك كثيرة، منها:
إنّ عجوزاً دخلت على رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)فألطفها، فلمّا خرجت سألته عائشة، فقال: «إنّها كانت تأتينا في زمن خديجة وإنّ حسن العهد من الإيمان».
وعن أمير المؤمنين علي (عليه السلام) قال: «ذكر النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)خديجة يوماً وهو عند نسائه، فبكى، فقالت عائشة: ما يبكيك على عجوز حمراء من عجائز بني أسد؟
فقال: صدّقتني إذ كذبتم، وآمنت بي إذ كفرتم، وولدت لي إذ عقمتم.
قالت عائشة: فما زلت أتقرّب إلى رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)بذكرها».
وعن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: «لمّا توفّيت خديجة (عليها السلام) جعلت فاطمة (عليها السلام) تلوذ برسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)وتدور حوله وتقول: يا أبت أين اُمّي؟
قال: فنزل جبرئيل (عليه السلام) فقال له: ربّك يأمرك أن تقرأ فاطمة السلام وتقول لها: إنّ اُمّك في بيت من قصب، كعابه من ذهب، وعمده ياقوت أحمر، بين آسية ومريم بنت عمران.
فقالت فاطمة (عليها السلام): إنّ الله هو السلام ومنه السلام وإليه السلام.
وعن عبد الرحمن بن ميمون عن أبيه قال: سمعت ابن عباس يقول: (أول من آمن برسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)من الرجال علي (عليه السلام) ومن النساء خديجة(عليها السلام).
بل إنّ الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم)ـ وكما في التاريخ ـ أطلق على العام الذي توفّيت فيه السيّدة خديجة وأبو طالب (عليهما السلام) «عام الحزن»(12)، وهذا خير دليل على معزّته (صلى الله عليه وآله وسلم)لهما.
النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)يذكّر بفضائلها
وليس ذلك فحسب، وإنَما بقي النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)وبعد أن توفّيت السيدة خديجة(عليها السلام) يتذكّرها ويترحّم عليها ويشيد بفضائلها الكثيرة ويدافع عنها.
فعن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: دخل رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)منزله فإذا عائشة مقبلة على فاطمة (عليها السلام) تصايحها وهي تقول: والله يا بنت خديجة ما ترين إلاّ أنّ لاُمّك علينا فضلاً، وأي فضل كان لها علينا؟ ما هي إلاّ كبعضنا.
فسمع مقالتها فاطمة(عليها السلام)، فلمّا رأت فاطمة رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) بكت.
فقال لها: ما يبكيك يا بنت محمّد؟
قالت: ذكرت اُمّي فتنقّصتها، فبكيت.
فغضب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): ثم قال: مه ياحميراء، فإنّ الله تبارك وتعالى بارك في الولود الودود، وإنّ خديجة رحمها الله ولدت منّي طاهراً وهو عبد الله وهو المطهّر، وولدت منّي القاسم وفاطمة ورقية واُمّ كلثوم وزينب، وأنت ممّن أعقم الله رحمه فلم تلدي شيئاً(13).
النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)يصبّرها
عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «دخل رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)على خديجة حين مات القاسم أبنها وهي تبكي، فقال لها: ما يبكيك؟
فقالت: درّت دريرة فبكيت.
فقال: يا خديجة أما ترضين إذا كان يوم القيامة أن تجيء إلى باب الجنّة وهو قائم فيأخذ بيدك فيدخلك الجنّة وينزلك أفضلها، وذلك لكل مؤمن، إنّ الله عزّوجلّ أحكم وأكرم أن يسلب المؤمن ثمرة فؤاده ثم يعذّبه بعدها أبداً»(14).
وعن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «لمّا توفّي طاهر ابن رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)نهى رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)خديجة عن البكاء.
فقالت: بلى يا رسول الله ولكن درّت عليه الدريرة فبكيت.
فقال لها: أما ترضين أن تجديه قائماً على باب الجنّة فإذا رآك أخذ بيدك فأدخلك أطهرها مكاناً وأطيبها؟
قالت: وإنّ ذلك كذلك؟
قال: فإنّ الله أعزّ وأكرم من أن يسلب عبداً ثمرة فؤاده فيصبر ويحتسب ويحمد الله عزّوجلّ ثم يعذّبه»(15).
حاجة جبرائيل
عن أبي سعيد الخدري: (إنّ رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)قال: إنّ جبرئيل(عليه السلام) قال لي ليلة اُسري بي حين رجعت وقلت: يا جبرئيل هل لك من حاجة؟
قال: حاجتي أن تقرأ على خديجة من الله ومنّي السلام.
وحدّثنا عند ذلك أنّها قالت حين لقيها نبي الله(صلى الله عليه وآله وسلم)فقال لها الذي قال جبرئيل، قالت: إنّ الله هو السلام ومنه السلام وإليه السلام وعلى جبرئيل السلام.
خير النساء
عن الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «خير نسائها خديجة وخير نسائها مريم».
وعن ابن عباس قال: خط رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)أربع خطط ثم قال: «خير نساء الجنّة مريم بنت عمران، وخديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمد، وآسية بنت مزاحم امرأة فرعون».
معرفة خديجة بمقام الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)
يذكر أنّ الأحبار كانوا يتردّدون على السيدة خديجة (عليها السلام) وذلك لمكانتها الاجتماعية والاقتصادية، وكانت (عليها السلام) تكرمهم وتفيض عليهم من خيراتها الطائلة.
وفي أحد الأيام وبينما كان أحد الأحبار في بيتها وهي جالسة مع جماعة من نسائها وجواريها إذا بالنبي(صلى الله عليه وآله وسلم)يمرّ، فنظر إليه ذلك الحبر وقال: يا خديجة قد مرّ الآن بدارك شاب حدث السن، فأمري من يأتي به.
فأرسلت إليه جارية من جواريها وقالت: يا سيدي مولاتي تطلبك.
فأقبل(صلى الله عليه وآله وسلم)ودخل منزل خديجة.
فقالت: أيّها الحبر هذا الذي أشرت إليه؟
قال: نعم هذا محمّد بن عبد الله.
وقال: طوبى لمن تكون لـه بعلاً وتكون لـه زوجة وأهلاً، فقد حازت شرف الدنيا والآخرة.
فتعجّبت السيّدة خديجة، وانصرف الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم)وقد اشتغل قلبها بحبّه، وكانت السيّدة خديجة ملكة عظيمة ولها من الأموال والثروة الطائلة ما لا يحصى، فقالت: أيّها الحبر بم عرفت أنه نبي؟
قال: وجدت صفاته في التوراة أنه المبعوث آخر الزمان يموت أبوه واُمّه ويكفله جدّه وعمّه وأنّه سيتزوّج بامرأة من قريش سيدة قومها وأشار بيده إليها، ثم قال لها: احفظي ما أقول لك يا خديجة.
فلمّا سمعت السيّدة خديجة ما نطق به الحبر تعلّق قلبها بالنبي(صلى الله عليه وآله وسلم)أكثر وكتمت أمرها.
فلمّا أراد الخروج من عندها قال: اجتهدي أن لا يفوتك محمد(صلى الله عليه وآله وسلم)فهو الشرف في الدنيا والآخرة.
طلب الزواج من النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)
هناك الكثير من المؤيّدات التي تدل على أنّ السيدة خديجة (عليها السلام) لم تكن على دين أهل مكة من الشرك، بل كانت مؤمنة على دين إبراهيم الخليل (عليه السلام) ، منها: حرصها الشديد على أن تكون هي صاحبة الشرف العظيم في أن تكون زوجة للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم).
وهذا إنما يدلّ على عمق معرفتها وتقديسها للرسول(صلى الله عليه وآله وسلم)الذي يحمل في جبينه نور الرسالة الخاتمة.
نعم، فلمّا عرفت السيدة خديجة مقام الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم)واطمأنت بأنه نبي آخر الزمان بذلت كل ما لديها كي تنال شرف الزواج منه.
ففي التاريخ أنّها (عليها السلام) عرضت نفسها عليه(صلى الله عليه وآله وسلم)وقالت له: قم إلى عمومتك وقل لهم يخطبوني لك من أبي، ولا تخش من كثرة المهر فهو عندي.
فخرج النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)من عندها ودخل على عمّه أبي طالب (عليه السلام) والسرور في وجهه، فوجد أعمامه مجتمعين
فنظر إليه أبو طالب (عليه السلام) وقال: يا بن أخي يهنؤك ما أعطتك خديجة وأظنّها قد غمرتك من عطاياها؟
فقال (صلى الله عليه وآله وسلم): يا عم لي إليك حاجة.
قال: وما هي؟
قال: تنهض أنت وأعمامي هذه الساعة إلى خويلد وتخطبون لي منه خديجة.
فاختلف أعمام النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)بين مؤيّد ومخالف.
فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): يا معشر الأعمام قد أطلتم الكلام فيما لا فائدة فيه، قوموا واخطبوا لي خديجة من أبيها فما عندكم من العلم مثل ما عندي منها.
وفاة السيّدة خديجة (عليها السلام)
توفّيت أم المؤمنين السيّدة خديجة (عليها السلام) بمكة في السنة الثالثة قبل الهجرة.
وقد حزن عليها رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)كثيراً.
وكان الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم)بشرها بمكانها في الجنة، فإنه لمّا حضرتها الوفاة دخل عليها النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)فقال لها: تكرهين ما أرى منك وقد جعل الله من الكره خيراً.
وعند دفنها نزل رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)في حفرتها وأدخلها القبر بيده الشريفة في الحجون.
فكانت وفاتها مصيبة عظيمة على قلب رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)وقد تبعتها مصائب وكوارث تحمّلها النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)برباطة جأش وصبر على المكاره ورضاء من الحق عزّوجلّ.
وقد كانت وفاة السيّدة خديجة (عليها السلام) وأبي طالب (عليه السلام) في عام واحد قبل الهجرة بثلاث سنين، أي في السنة العاشرة من البعثة بعد خروج بني هاشم من الشعب.
وكان رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)يقول: «ما اغتممت بغمّ أيام حياة أبي طالب وخديجة».
لما كان أبو طالب (عليه السلام) يدفعه عنه وخديجة (عليها السلام) تعزّيه وتصبّره وتهوّن عليه ما يلقاه في ذات الله عزّوجلّ
ولذا عند ما توفي عمه أبوطالب وزوجته خديجة سمى ذلك العام بعام الحزن.
فرضوان الله تعالى عليها.
عدل سابقا من قبل shaza في 6/8/2011, 1:40 pm عدل 1 مرات