مقتل الإمام العباس كفيل الحوراء عليهما السلام
- الطريحي : وروي أن العباس بن علي كان حامل لواء أخيه الحسين ، فلما رآى جميع عسكر الحسين قتلوا وإخوانه وبني عمه ، بكى وأن إلى لقاء ربه ، إشتاق وحن ، فحمل الراية وجاء نحو أخيه الحسين ، وقال : يا أخي ! هل رخصة ؟ فبكى الحسين بكاء شديدا حتى ابتلت لحيته المباركة بالدموع ، ثم قال : يا أخي ! كنت العلامة من عسكري ، ومجمع عددنا ، فإذا أنت غدوت يؤول جمعنا إلى الشتات ، وعمارتنا تنبعث إلى الخراب .
فقال العباس : فداك روح أخيك يا سيدي ! قد ضاق صدري من الحياة الدنيا ، وأريد أخذ الثأر من هؤلاء المنافقين .
فقال الحسين : إذا غدوت إلى الجهاد فاطلب لهؤلاء الأطفال قليلا من الماء .
- المجلسي : وفي بعض تأليفات أصحابنا : إن العباس لما رأى وحدته [ أي أخاه الحسين ] أتى أخاه ، وقال : يا أخي ! هل من رخصة ؟ فبكى الحسين بكاء شديدا ، ثم قال : يا أخي ! أنت صاحب لوائي ، وإذا مضيت تفرق عسكري .
فقال العباس : قد ضاق صدري ، وسئمت من الحياة ، وأريد أن أطلب ثأري من هؤلاء المنافقين . فقال الحسين : فاطلب لهؤلاء الأطفال قليلا من الماء .
فذهب العباس ووعظهم وحذرهم ، فلم ينفعهم ، فرجع إلى أخيه فأخبره ، فسمع الأطفال ينادون : العطش العطش ، فركب فرسه وأخذ رمحه والقربة ، وقصد نحو الفرات ، فأحاط به أربعة آلاف ممن كانوا موكلين بالفرات ، ورموه بالنبال فكشفهم ، وقتل منهم على ما روي ثمانين رجلا حتى دخل الماء .
فلما أراد أن يشرب غرفة من الماء ، ذكر عطش الحسين وأهل بيته ، فرمى الماء وملأ القربة وحملها على كتفه الأيمن ، وتوجه نحو الخيمة ، فقطعوا عليه الطريق وأحاطوا به من كل جانب ، فحاربهم حتى ضربه نوفل الأزرق على يده اليمنى فقطعها ، فحمل القربة على كتفه الأيسر ، فضربه نوفل فقطع يده اليسرى من الزند ، فحمل القربة بأسنانه ، فجاءه سهم فأصاب القربة وأريق ماؤها ، ثم جاءه سهم آخر فأصاب صدره ، فانقلب عن فرسه وصاح إلى أخيه الحسين : أدركني . فلما أتاه رآه صريعا فبكى ، وحمله إلى الخيمة .
- ابن شهر آشوب : فلما رآه الحسين مصروعا على شاطئ الفرات بكى ، وأنشأ يقول :
تعديتم يا شر قوم ! بفعلكم وخالفتم قول النبي محمد أما كان خير الرسل وصاكم بنا أما نحن من نجل النبي المسدد أما كانت الزهراء أمي دونكم أما كان من خير البرية أحمد لعنتم وأخزيتم بما قد جنيتم فسوف تلاقوا حر نار توقد
- محمد مهدي الحائري : وفي خبر : جاءه سهم وأصاب صدره الشريف ، وانصرع عفيرا على الأرض يخور في دمه ، ونادى : وا أخاه ! وا حسيناه ! وا أبتاه ! وا علياه ! ونادى : يا أبا عبد الله ! عليك مني السلام .
فلما سمع الإمام نداءه قال : وا أخاه ! وا عباساه ! وا مهجة قلباه ! فأتاه كالصقر إذا انحدر على فريسته ، ففرقهم يمينا وشمالا بعد أن قتل سبعين رجلا منهم ، ونزل إليه .
قال أبو مخنف : وحمله على ظهر جواده وأقبل به إلى الخيمة ، وطرحه فيها وبكى بكاء شديدا ، حتى بكى جميع من كان حاضرا ، وقال : جزاك الله من أخ خيرا ، لقد جاهدت في الله حق جهاده .
وصرخت زينب وقالت : وا أخاه ! وا عباساه ! وا قلة ناصراه ! وا ضيعتاه من بعدك ! فقال الحسين : إي ، والله ! من بعده وا ضيعتاه ! وا انقطاع ظهراه ! فجعل النساء يبكين ويندبن عليه ، وبكى الحسين ، وأنشأ يقول :
أخي يا نور عيني يا شقيقي فلي قد كنت كالركن الوثيق أيا ابن أبي نصحت أخاك حتى سقاك الله كأسا من رحيق أيا قمرا منيرا كنت عوني على كل النوائب في المضيق فبعدك لا تطيب لنا حياة سنجمع في الغداة على الحقيق ألا لله شكوائي وصبري وما ألقاه من ظمأ وضيق ثم صاح الحسين : وا أخاه ! وا عباساه ! وا مهجة قلباه ! وا قرة عيناه ! وا قلة ناصراه ! يعز والله ! علي فراقك ! ثم بكى بكاء شديدا ، فحمله على ظهر جواده ، وأقبل به إلى الخيمة ، وهو يبكي حتى أغمي عليه .
- محمد مهدي الحائري : في رواية : لما جاء الحسين إلى أخيه العباس انتحى عليه ليحتمله ففتح العباس عينيه فرأى أخاه الحسين يريد أن يحمله ، فقال له : إلى أين تريد بي يا أخي ؟ ! فقال : إلى الخيمة ! فقال : أخي ، بحق جدك رسول الله عليك أن لا تحملني ، دعني في مكاني هذا ! فقال الحسين : لما ذا ؟ قال : إني مستح من ابنتك سكينة ، وقد وعدتها بالماء ولم آتها به ! والثاني : أنا كبش كتيبتك ومجمع عددك ، فإذا رآني أصحابك وأنا مقتول فلربما يقل عزمهم ، ويذل صبرهم .
فقال : جزيت عن أخيك خيرا حيث نصرتني حيا وميتا . . . .
وفي بعض الكتب : أخذ الحسين رأسه ووضعه في حجره ، وجعل يمسح الدم عن عينيه ، فرآه وهو يبكي ، فقال الحسين : ما يبكيك ، يا أبا الفضل ؟ ! قال : أخي ، يا نور عيني ! وكيف لا أبكي ومثلك الآن جئتني وأخذت رأسي عن التراب ، فبعد ساعة من يرفع رأسك عن التراب ؟ ومن يمسح التراب عن وجهك ؟ وكان الحسين جالسا إذ شهق العباس شهقة وفارقت روحه الطيبة .
وصاح الحسين : وا أخاه ! وا عباساه ! ولما قتل العباس ، قال الحسين : ألان انكسر ظهري ، وقلت حيلتي .
- المفيد : وحملت الجماعة على الحسين ، فغلبوه على عسكره ، واشتد به العطش فركب المسناة يريد الفرات ، وبين يديه العباس أخوه فاعترضه خيل ابن سعد - لعنه الله - وفيهم رجل من بني دارم ، فقال لهم : ويلكم ، حولوا بينه وبين الفرات ، ولا تمكنوه من الماء .
فقال الحسين : أللهم اظمأه ! فغضب الدارمي ورماه بسهم فأثبته في حنكه ، فانتزع الحسين السهم ، وبسط يده تحت حنكه فامتلأت راحتاه من الدم فرمى به ، ثم قال : اللهم إني أشكو إليك ما يفعل بابن بنت نبيك .
ثم رجع إلى مكانه وقد اشتد به العطش ، وأحاط القوم بالعباس فاقتطعوه عنه ، فجعل يقاتلهم وحده حتى قتل رحمة الله عليه ، وكان المتولي لقتله زيد بن ورقاء الحنفي وحكيم بن الطفيل السنبسي ، بعد أن أثخن بالجراح ، فلم يستطع حراكا .
- الدربندي : فوضعه في مكانه ورجع إلى الخيمة ، وهو يكفكف دموعه بكمه ، فلما رأوه مقبلا أتت إليه سكينة ولزمت عنان جواده وقالت : يا أبتاه ! هل لك علم بعمي العباس . . . ، فعندها بكى الحسين وقال : يا بنتاه ! إن عمك العباس قتل وبلغت روحه الجنان .