من الاخبار الواردة بسبب قتله عليه السلام وكيف جرى الامر في ذلك ما رواه جماعة من أهل السير منهم أبومخنف وإسماعيل بن راشد أبوهاشم الرفاعي وأبوعمرو الثقفي وغيرهم أن نفرا من الخوارج اجتمعوا بمكة ، فتذاكروا الامراء فعابوهم وعابوا أعمالهم ، وذكروا أهل النهروان وترحموا عليهم ، فقال بعضهم لبعض : لو أنا شرينا أنفسنا لله فأتينا أئمة الضلال فطلبنا غرتهم وأرحنا منهم العباد والبلاد وثأرنا بإخواننا الشهداء بالنهروان ، فتعاهدوا عند انقضاء الحج على ذلك ، فقال عبدالرحمن بن ملجم لعنه الله : أنا أكفيكم عليا ، وقال البرك بن عبيدالله التميمي : أن أكفيكم معاوية ، وقال عمرو بن بكر التميمي ، أنا أكفيكم عمرو بن العاص ، وتعاقدوا على ذلك وتوافقوا على الوفاء ، واتعدوا شهر رمضان في ليلة تسع عشرة منه ، ثم تفرقوا فأقبل ابن ملجم لعنه الله - وكان عداده في كندة - حتى قدم الكوفة ، فلقي بها أصحابه فكتمهم أمره مخافة أن ينتشر منه شئ ، فهو في ذلك إذ زار رجلا من أصحابه ذات يوم من تيم الرباب ، فصادف عنده قطامة بنت الاخضر التيمية ، وكان أميرالمؤمنين عليه السلام قتل أباها وأخاها بالنهروان ، وكانت من أجمل نساء أهل زمانها ، فلما رآها ابن ملجم شغف بها و اشتد إعجابه بها ، وسأل في نكاحها وخطبها ، فقالت له : ما الذي تسمي لي من الصداق ؟ فقال لها : احتكمي ما بدالك ، فقالت له : أنا محتكمة عليك ثلاثة آلاف درهم ووصيفا وخادما وقتل علي بن أبي طالب ، فقال لها : لك جميع ما سألت ، فأما قتل علي بن أبي طالب عليه السلام فأنى لي بذلك ؟ فقالت : تلتمس غرته ، فإن أنت قتلته شفيت نفسي وهنأك العيش معي ، وإن أنت قتلت فما عندالله خير لك من الدنيا ، فقال : أما والله ما أقدمني هذا المصر - وقد كنت هاربا منه لا آمن مع أهله - إلا ما سألتني من قتل علي بن أبي طالب ، فلك ما سألت ، قالت : فأنا طالبة لك بعض من يساعدك على ذلك ويقويك ، ثم بعثت إلى وردان بن مجالد من تيم الرباب فخبرته الخبر ، وسألته معونة ابن ملجم لعنه الله ، فتحمل ذلك لها ، و خرج ابن ملجم فأتى رجلا من أشجع يقال له شبيب بن بجرة ، فقال : يا شبيب هل لك في شرف الدنيا والآخرة ؟ قال : تساعدني على قتل علي بن أبي طالب ، وكان شبيب على رأي الخوارج ، فقال له : يا ابن ملجم هبلتك الهبول لقد جئت شيئا إدا ، وكيف تقدر على ذلك ؟ فقال له ابن ملجم : نمكن له في المسجد الاعظم فإذا خرج لصلاة الفجر فتكنا به ، فإن نحن قتلناه شفينا أنفسنا وأدركنا ثأرنا ، فلم يزل به حتى أجابه ، فأقبل معه حتى دخلا المسجد الاعظم على قطامة وهي معتكفة في المسجد الاعظم قد ضربت عليها قبة ، فقالا لها : قد اجتمع رأينا على قتل هذا الرجل ، فقالت لهما : إذا أردتما ذلك فائتياني في هذا الموضع ، فانصرفا من عندها ، فلبثا أياما ثم أتياها ومعهما الآخر ليلة الاربعاء لتسعة عشرة ( ليلة ) خلت من شهر رمضان سنة أربعين من الهجرة ، فدعت لهم بحرير فعصبت به صدورهم ، وتقلدوا أسيافهم ، ومضوا وجلسوا مقابل السدة التي كان يخرج منها أميرالمؤمنين عليه السلام إلى الصلاة ، وقد كانوا قبل ذلك ألقوا إلى الاشعث ابن قيس ما في نفوسهم من العزيمة على قتل أميرالمؤمنين عليه السلام ، وواطأهم على ذلك وحضر الاشعث بن قيس في تلك الليلة لمعونتهم على ما اجتمعوا عليه ، وكان حجر ابن عدي في تلك الليلة بائتا في المسجد ، فسمع الاشعث يقول : يا ابن ملجم النجاء النجاء لحاجتك فقد فضحك الصبح فأحس حجر بما أراد الاشعث ، فقال له : قتلته يا أعور ! وخرج مبادرا ليمضي إلى أميرالمؤمنين عليه السلام ليخبره الخبرو يحذره من القوم ، وخالفه أميرالمؤمنين عليه السلام من الطريق فدخل المسجد . فسبقه ابن ملجم فضربه بالسيف . وأقبل حجر والناس يقولون : قتل أميرالمؤمنين عليه السلام . وذكر عبدالله بن محمد الازدي قال : إني لاصلي في تلك الليلة في المسجد الاعظم مع رجال من أهل المصر كانوا يصلون في ذلك الشهر من أوله إلى آخره إذ نظرت إلى رجال يصلون قريبا من السدة ، وخرج علي بن أبي طالب عليه السلام لصلاة الفجر ، فأقبل ينادي : الصلاة الصلاة ، فما أدري أنادى أم رأيت بريق السيوف ، و سمعت قائلا يقول : لله الحكم لا لك يا علي ولا لاصحابك ، وسمعت عليا يقول : لا يفوتنكم الرجل ، فإذا عليه السلام مضروب ، وقد ضربه شبيب بن بجرة فأخطأه ووقعت ضربته في الطاق ، وهرب القوم نحو أبواب المسجد ، وتبادر الناس لاخذهم ، فأما شبيب بن بجرة فأخذه رجل فصرعه وجلس على صدره ، وأخذ السيف ليقتله به فرأى الناس يقصدون نحوه ، فخشي أن يعجلوا عليه ولم يسمعوا منه ، فوثب عن صدره وخلاه ، وطرح السيف من يده ، ومضى شبيب هاربا حتى دخل منزله ودخل عليه ابن عم له فرآه يحل الحرير عن صدره ، فقال له : ما هذا لعلك قتلت أميرالمؤمنين ؟ فأراد أن يقول لا ، قال : نعم ! فمضى ابن عمه واشتمل على سيفه ، ثم دخل عليه فضربه به حتى قتله ، وأما ابن ملجم فإن رجلا من همدان لحقه فطرح عليه قطيفة كانت في يده ، ثم صرعه وأخذ السيف من يده ، وجاء به إلى أميرالمؤمنين عليه السلام ، وأفلت الثالث وانسل بين الناس . فلما دخل ابن ملجم على أمير المؤمنين عليه السلام نظر إليه ثم قال : النفس بالنفس ، فإن أنامت فاقتلوه كما قتلني ، وإن أنا عشت رأيت فيه رأيي ، فقال ابن ملجم : والله لقد ابتعته بألف وسممته بألف ، فإن خانني فأبعده الله ، قال : و نادته ام كلثوم : يا عدوالله قتلت أميرالمؤمنين ؟ قال : إنما قتلت أباك ، قالت : يا عدوالله إني لارجو أن لا يكون عليه بأس ، قال لها : فأراك إنما تبكين علي إذا ؟ لقد والله ضربته ضربة لو قسمت على أهل الارض لاهلكتهم ، فاخرج من بين يديه عليه السلام وإن الناس ينهشون لحمه بأسنانهم كأنهم سباع ، وهم يقولون : يا عدوالله ما فعلت ؟ أهلكت امة محمد صلى الله عليه واله وقلت خير الناس ، وإنه لصامت لم ينطق ، فذهب به إلى الحبس ، وجاء الناس إلى أميرالمؤمنين عليه السلام فقالوا له : يا أميرالمؤمنين مرنا بأمرك في عدوالله ، والله لقد أهلك الامة وأفسد الملة ، فقال لهم أميرالمؤمنين عليه السلام : إن عشت رأيت فيه رأيي ، وإن أهلكت فاصنعوا به كما يصنع بقاتل النبي ، اقتلوه ثم حرقوه بعد ذلك بالنار . قال فلما قضى أميرالمؤمنين عليه السلام نحبه وفرغ أهله من دفنه جلس الحسن عليه السلام وأمر أن يؤتى بابن ملجم ، فجئ به ، فلما وقف بين يديه قال له : يا عدو الله قتلت أمير المؤمنين وأعظمت الفساد في الدين ، ثم أمر فضربت عنقه ، واستوهبت ام الهيثم بنت الاسود النخعية جثته منه لتتولى إحراقها ، فوهبها لها فأحرقتها بالنار . وفي أمر قطام وقتل أمير المؤمنين عليه السلام يقول : . فلم أر مهرا ساقه ذو سماحة كمهر قطام من فصيح وأعجمي ثلاثة آلاف وعبد وقينة وضرب علي بالحسام المسمم ولا مهر أغلى من علي وإن غلا ولا فتك إلا دون فتك ابن ملجم وأما الرجلان اللذان كانا مع ابن ملجم في العقد على قتل معاوية وعمرو بن العاص فإن أحدهما ضرب معاوية وهو راكع ، فوقعت ضربته في إليته ونجا منها واخذ وقتل من وقته ، وأما الآخر فإنه وافى عمروا في تلك الليلة وقد وجد علة فاستخلف رجلا يصلي بالناس يقال له خارجة بن أبي حبيبة العامري ، فضربه بسيفه وهو يظن أنه عمرو ، فاخذ واتي به عمرو فقتله ، ومات خارجة في اليوم الثاني .
هذه القصة نقلا عما ورد في كتاب بحار الانوار .