حكمة الدهر
يُحكى أنّ شيخاً كانَ يعيش فوق تلٍّ من التلال..
ويملك جواداً وحيداً محبّباً إليه..
ففرّ جواده..!!
وجاء إليه جيرانه يواسونه لهذا الحظّ العاثر..
فأجابهم بلا حزن ـ وما أدراكم أنّه حظٌّ عاثر؟
**************************
وبعدَ أيّامٍ قليلة عادَ إليه الجواد مصطحباً معه عدداً من الخيول البريّة..
فجاء إليه جيرانه يُهنئونه على هذا الحظّ السعيد..!!
فأجابهم بلا تهلّل ـ وما أدراكم أنّه حظٌ سعيد؟
**************************
ولم تمض أيّام حتّى كانَ إبنه الشاب يُدرّبَ أحد هذه الخيول البريّة..
فسقطَ من فوقه وكُسرت ساقه..
وجاءوا للشيخ يواسونه في هذا الحظّ السيء..!!
فأجابهم بلا هلع ـ وما أدراكم أنّه حظٌّ سيء؟
**************************
وبعد أسابيع قليلة أعلنت الحرب..
وجنّد شباب القرية وأعفي إبن الشيخ من القتال لكسر ِساقه..
فماتَ في الحرب شبابٌ كثر..
وهكذا ظلّ الحظّ العاثر يُمهّدَ لحظٍّ سعيد..
والحظّ السعيد يُمهّدَ لحظّ عاثر إلى ما لا نهاية في القصّة..
وليستَ في القصة فقط بل وفي الحياة لحدّ بعيد..!!
أهل الحكمة لا يُغالون في الحزن على شيءٍ فاتهم , لأنّهم لا يعرفونَ على وجهة اليقين إن كانَ فواته شرّاً خالص أم خير خفي أرادَ الله به أن يُجنّبهم ضرراً أكبر..
ولا يُغالون أيضاً في الإبتهاج لنفس السبب، ويشكرونَ الله دائماً على كلِّ ما أعطاهم ويفرحونَ بإعتدال , ويحزنون على ما فاتهم بصبرٍ وتحمّل..
لا يفرحَ الإنسان لمجرّد أنّ حظّه سعيد فقد تكونَ السعاة طريقاً للشقاء.. والعكس بالعكس..
إنّ السعيد هو الشخص القادر على تطبيق مفهوم الرضى بالقضاء والقدر..
ويتقبّل الأقدار بمرونة وإيمان..
هؤلاء هم السعداء حقّاً..!!