...هل العشق أمر ضروري للحياة .... هل العشق أمر ضروري للحياة, أو مرض نهرب منه ونعالجه؟ (علة العاشق لا مثل العلل .. سرّه الأصلي بالله اتصل) الصحيح أن العشق أمر فطري ومرغوب, ولكن المشكلة كل المشكلة في تحديد من هو المعشوق الذي نختاره ونوّجه القلب إليه؟ هل نعشق الله تعالى؟ أو نعشق غير الله؟
أما العشق الإلهي أي محبة الله تعالى محبة خالصة بكل الكيان والوجود, فهو غاية المني, حتى لا يرى الإنسان وجوداً لنفسه إلا وجود المحبوب, ولا رغبة لنفسه إلا رغبة المحبوب, بل يغفل عن نفسه, ولا يرى سوى المحبوب عزّ وجلّ.
من هنا نرى إبراهيم - عليه السلام – يقول (فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَباً قَالَ هَـذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لا أُحِبُّ الآفِلِينَ) [الأنعام : 76], فالعلاقة الصحيحة بين الرب والمربوب هي علاقة الحب, واستمرار التواصل, وحيث أن ذلك الكوكب لا استمرار له ولا محبة, فهو ليس الرب الذي نبحث عنه.
وقال جلّ وعلا (وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللّهِ أَندَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللّهِ وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَشَدُّ حُبّاً لِّلّهِ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلّهِ جَمِيعاً وَأَنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ) [البقرة : 165].
إذن حب الله تعالى في قلوب الذين آمنوا يفوق حب كل شيء لأي شيء آخر. ولذا وضع الله تعالى الدنيا بما فيها في كفة, وجعل نفسه ورسوله في كفه, فأيهما يرجح عندك. تأمل في الآية التالية (قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ) [التوبة : 24].
إذن أيها الأحبة: لدينا هنا موازنة ومقارنة بين كفتين:
الكفة الأولى : الآباء + الأبناء + الإخوان + الأزواج + العشيرة + الأموال التي تعبنا في جمعها + التجارة التي نخشها كسادها + المساكن والمنازل والفلل والقصور التي شيدناها
الكفة الثانية: الله – سبحانه- والرسول والجهاد في سبيل الله
إن رجحت الكفة الأولى بجميع ما فيها على الثانية بجميع ما فيها, فالقرآن يتوعدنا بأمر الله, ونحن عندئذ من القوم الفاسقين. ولا نكون مؤمنين حتى ترجح الكفة الثانية على الكفة الأولى بكل ما فيها.
والحاصل: الرجل الذي يحبّ زوجته أكثر من حبه الله تعالى فليس بمؤمن, وكذا المرأة التي تحب زوجها أكثر من حبها لله تعالى.
على أن القرآن الكريم قد حذرنا من بعض الأزواج والأولاد فقال (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوّاً لَّكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ وَإِن تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) [التغابن : 14].
... إذن, الزوج أو الزوجة إذا كانت قريبة من الله تعالى فلها الحب وكل الخير والإحسان لقربها من الله تعالى وارتباطها بالمحبوب الحقيقي, وإذا لم تكن كذلك فلها التعامل الحسن والمعاشرة بالتي هي أحسن فقط , وليس لها الحب وهي بعيدة عن المحبوب أي الله سبحانه.
الحب لله تعالى, ولكل من يتصل بالله تعالى من إنسان أو عمل, وفي الدعاء نقول (اللهم ارزقني حبك, وحب كل من أحبك, وحب كل عمل يقربني إلى حبك).
بعد التأمل في جميع ما تقدم من آيات كريمة, يمكن أن ندرك معنى الحديث التالي, إذ سُئل الإمام الصادق- عليه السلام- عن العشق, فقال (قلوب خلت عن ذكر الله, فأذاقها الله حب غيره).
كل قوة من قوانا تبحث عن كمالها ونشاطها, فالعقل يبحث عن العلم ويشتاق إليه, والمعدة تبحث عن الطعام وتنتظره, وهكذا الحال مع باقي الجوارح والقوى الظاهرية والباطنية, لذا فالقلب أيضاً يبحث عن كماله وعما يتعلق به وهو الحب من أعماقه, فإن لم تربطه بالله تعالى وبذكره, فإنه يظل يعيش حالة العطش والظمأ الروحي ويكون مهيئاً للتعلق بأمور أخرى.
فهل علمنا معنى (حب الحسين أجنّني)؟ وحب الحسين هو حب الله وحب الرسول, إن هذه الحالة والمنزلة التي حققها أنصار الإمام الحسين – عليه السلام- هي الكمال وهي الجمال وهي الهدف والغاية, فهل نسعى لنجنّ بحب الحسين؟ أو نسعى لنجنّ بغيره ... ؟
نسأله من جود كرمه أن يحببنــــــــــا سُبُل أوليائه وخاصته .